الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ٱبْتِغَآءَ مَرْضَاتِ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ رَؤُوفٌ بِٱلْعِبَادِ }

والله سبحانه وتعالى ساعة يستعمل كلمة " يشري " يجب أن نلاحظ أنها من الأفعال التي تستخدم في الشيء ومقابله، فـ " شرى " يعني أيضاً " باع ". إذن، كلمة " شرى " لها معنيان، واقرأ إن شئت في سورة يوسف قوله تعالى:وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ } [يوسف: 20]. أي باعوه بثمن رخيص. وتأتي أيضاً بمعنى اشترى، فالشاعر العربي القديم عنترة ابن شداد يقول:
فخاض غمارها وشرى وباعا   .
إذن " شرى " لغة، تُستعمل في معنيين: إما أن تكون بمعنى " باع " ، وإما أن تكون بمعنى " اشترى " ، والسياق والقرينة هما اللذان يحددان المعنى المقصود منها فقول عنترة: " شرى وباع " نفهم أن المقصود من " شرى " هنا هو " اشترى " ، لأنها مقابل " باع " ، وقوله تعالى:وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ } [يوسف: 20]. يوضحه سياق الآية بأنهم باعوه. وهذا من عظمة اللغة العربية، إنها لغة تريد أناساً يستقبلون اللفظ بعقل، ويجعلون السياق يتحكم في فهمهم للمعاني. { وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ } [البقرة: 207] ونفهم " يشري " هنا بمعنى يبيع نفسه، والذي يبيع نفسه هو الذي يفقدها بمقابل. والإنسان عندما يفقد نفسه فهو يضحي بها، وعندها تكون التضحية ابتغاء مرضاة الله فهي الشهادة في سبيله عز وجل، كأنه باع نفسه وأخذ مقابلها مرضاة الله:إِنَّ ٱللَّهَ ٱشْتَرَىٰ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ.. } [التوبة: 111]. إن الحق يعطيهم الجنة مقابل أنفسهم وأموالهم. إذن فقوله: { وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ٱبْتِغَآءَ مَرْضَاتِ ٱللَّهِ } [البقرة: 207] يعني باع نفسه وأخذ الجنة مقابلاً لها، هذا إذا كان معنى " يشري " هو باع. وماذا يكون المعنى إذا كانت بمعنى اشترى؟ هنا نفهم أنه اشترى نفسه بمعنى أنه ضحى بكل شيء في سبيل أن تَسلم نفسه الإيمانية. ومن العجب أن هذه الآية قيل في سبب نزولها ما يؤكد أنها تحتمل المعنيين، معنى " باع " ومعنى " اشترى " فها هو ذا أبو يحيى الذي هو صهيب بن سنان الرومي كان في مكة، وقد كبر سنه، وأسلم وأراد أن يهاجر، فقال له الكفار: لقد جئت مكة فقيراً وآويناك إلى جوارنا وأنت الآن ذو مال كثير، وتريد أن تهاجر بمالك. فقال لهم: أإذا خليت بينكم وبين مالي أأنتم تاركوني؟ فقالوا: نعم. قال: تضمنون لي راحلة ونفقة إلى أن أذهب إلى المدينة؟ قالوا: لك هذا. إنه قد شرى نفسه بهذا السلوك واستبقاها إيمانياً بثروته، فلما ذهب إلى المدينة لقيه أبو بكر وعمر فقالا له: ربح البيع يا أبا يحيى. قال: وأربح الله كل تجارتكم. وقال له سيدنا أبو بكر وسيدنا عمر: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرنا أن جبريل أخبره بقصتك، ويروى أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال له: ربح البيع أبا يحيى.

السابقالتالي
2 3