الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ وَأَتِمُّواْ ٱلْحَجَّ وَٱلْعُمْرَةَ للَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا ٱسْتَيْسَرَ مِنَ ٱلْهَدْيِ وَلاَ تَحْلِقُواْ رُؤُوسَكُمْ حَتَّىٰ يَبْلُغَ ٱلْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَآ أَمِنتُمْ فَمَن تَمَتَّعَ بِٱلْعُمْرَةِ إِلَى ٱلْحَجِّ فَمَا ٱسْتَيْسَرَ مِنَ ٱلْهَدْيِ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي ٱلْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذٰلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱعْلَمُواْ أَنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ }

والنسق القرآني نسق عجيب، فأنتم تذكرون أنه تكلم عن الصيام، ورمضان يأتي قبل أشهر الحج، فكان طبيعياً أن يتكلم عن الحج بعد أن تكلم عن رمضان وعن الأهلة وعن جعل الأهلة مواقيت للناس والحج كما أن هناك شيئاً آخر يستدعي أن يتكلم في الحج وهو الكلام عن القتال في الأشهر الحرم، وعن البيت الحرام فقد قال سبحانه:وَلاَ تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ حَتَّىٰ يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ.. } [البقرة: 191]. إذن فالكلام عن الحج يأتي في سياقه الطبيعي. وحين يقول الله: { وَأَتِمُّواْ ٱلْحَجَّ وَٱلْعُمْرَةَ للَّهِ } [البقرة: 196] نفهم منه أن الأمر بإتمام الشيء لا يكون إلا إذا جاء الأمر بفرض هذا الفعل، فكأنك بدأت في العمل بعد التشريع به، ويريد منك سبحانه ألا تحج فقط، ولكن يريد منك أن تتمه وتجعله تامّاً مستوفياً لكل مطلوبات المشرع له. وساعة يقول الحق: { وَأَتِمُّواْ ٱلْحَجَّ وَٱلْعُمْرَةَ } [البقرة: 196] لقائل أن يقول: إن الحج شيء والعمرة شيء آخر، بدليل عطفها عليه، والعطف يقتضي المغايرة كما يقتضي المشاركة، فإن وُجدَت مشاركة ولم توجد مغايرة فلا يصح العطف، بل لابد أن يوجد مشاركة ومغايرة. والمشاركة بين الحج والعمرة أن كليهما نسك وعبادة، وأما المغايرة فهي أن للحج زمناً مخصوصاً ويشترط فيه الوقوف بعرفة، وأما العمرة فلا زمن لها ولا وقفة فيها بعرفة. ولكن الحق سبحانه وتعالى يقول في مشروعية الحج:وَللَّهِ عَلَى ٱلنَّاسِ حِجُّ ٱلْبَيْتِ مَنِ ٱسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً.. } [آل عمران:97]. ولم يأت في تلك الآية بذكر العمرة، ومنها نعرف أن الحج شيء والعمرة شيء آخر، والمفروض علينا هو الحج. ولذلك أقول دائماً لابد لنا أن نأخذ القرآن جملة واحدة، ونأتي بكل الآيات التي تتعلق بالموضوع لنفهم المقصود تماماً، فحين يقول الحق في قرآنه أيضاً: { وَأَتِمُّواْ ٱلْحَجَّ وَٱلْعُمْرَةَ للَّهِ } [البقرة: 196] نعرف من ذلك أن العمرة غير الحج، وحين تقرأ قول الله في سورة براءة:وَأَذَانٌ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى ٱلنَّاسِ يَوْمَ ٱلْحَجِّ ٱلأَكْبَرِ.. } [التوبة: 3]. نعرف أن هناك حجاً أكبر، وحجاً ثانياً كبيراً. ولذلك فآيةوَللَّهِ عَلَى ٱلنَّاسِ حِجُّ ٱلْبَيْتِ } [آل عمران: 97] جاءت بالبيت المحرم، وهو القَدْرُ المشترك في الحج والعمرة. ونعرف أن الحج الأكبر هو الحج الذي يقف فيه المسلم بعرفة لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: " الحج عرفة " وهو الحج الأكبر لأن الحشد على عرفة يكون كبيراً، وهو يأتي في زمن مخصوص ويُشترط فيه الوقوف بعرفة. إذن قوله تعالى:وَللَّهِ عَلَى ٱلنَّاسِ حِجُّ ٱلْبَيْتِ } [آل عمران: 97] الحج هو القصد إلى مُعظّم وهو " حج البيت " ، أما العمرة فهي الحج الكبير وزمانها شائع في كل السنة، والقاصدون للبيت يتوزعون على العام كله.

السابقالتالي
2 3 4 5