الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ ٱلدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ }

وما دمت قد ذقت حلاوة ما أعطاك الحق من إشراقات صفائية في الصيام فأنت ستتجه إلى شكره سبحانه، وهذا يناسب أن يرد عليك الحق فيقول: { وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ } [البقرة: 186] ونلحظ أن " إذا " جاءت، ولم تأتي " إن " فالحق يؤكد لك أنك بعدما ترى هذه الحلاوة ستشكر الله لأنه سبحانه يقول في الحديث القدسي: " ثلاثة لا ترد دعوتهم، الصائم حتى يفطر، والإمام العادل، ودعوة المظلوم، يرفعها الله فوق الغمام وتفتح لها أبواب السماء، ويقول الرب: وعزتي لأنصرنك ولو بعد حين ". فما دام سبحانه سيجيب الدعوة، وأنت قد تكون من العامة لا إمامة لك، وكذلك لست مظلوماً، إذن تبقى دعوة الصائم. وعندما تقرأ في كتاب الله كلمة " سأل " ستجد أن مادة السؤال بالنسبة للقرآن وردت وفي جوابها " قل ".يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْخَمْرِ وَٱلْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَآ إِثْمٌ كَبِيرٌ.. } [البقرة: 219]. وقوله:وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ ٱلْعَفْوَ.. } [البقرة: 219]. وقوله:يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَآ أَنْفَقْتُمْ مِّنْ خَيْرٍ.. } [البقرة: 215]. وكل " يسألونك " يأتي في جوابها " قل " إلا آية واحدة جاءت فيها " فقل " بالفاء، وهي قول الحق:وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي.. } [طه: 105]. انظر إلى الدقة الأدائية: الأولى " قل " ، وهذه " فقل " ، فكأنيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْخَمْرِ وَٱلْمَيْسِرِ } [البقرة: 219] يؤكد أن السؤال قد وقع بالفعل، ولكن قوله:وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْجِبَالِ } [طه: 105]، فالسؤال هذا ستتعرض له، فكأن الله أجاب عن أسئلة وقعت بالفعل فقال: " قل " ، والسؤال الذي سيأتي من بعد ذلك جاء وجاءت إجابته بـ " فقل " أي أعطاه جواباً مسبقاً، إذن ففيه فرق بين جواب عن سؤال حدث، وبين جواب عن سؤال سوف يحدث، ليدلك على أن أحداً لن يفاجئ الله بسؤال،وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفاً } [طه: 105]. لكن نحن الآن أمام آية جاء فيها سؤال وكانت الإجابة مباشرة: { وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي } [البقرة: 186]. فلم يقل: فقل: إنِّي قريب لأن قوله: " قل " هو عملية تطيل القرب، ويريد الله أن يجعل القرب في الجواب عن السؤال بدون وساطة { وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ } [البقرة: 186]. لقد جعل الله الجواب منه لعباده مباشرة، وإن كان الذي سيبلغ الجواب هو رسوله صلى الله عليه وسلم، وهذه لها قصة: لقد سألوا رسول الله: أقريب ربك فنناجيه أم بعيد فنناديه؟ لأن عادة البعيد أن يُنادي، أما القريب فيُناجي، ولكي يبين لهم القرب، حذف كلمة " قل " ، فجاء قول الحق: { وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ } [البقرة: 186] وما فائدة ذلك القرب؟ إن الحق يقول: { أُجِيبُ دَعْوَةَ ٱلدَّاعِ إِذَا دَعَانِ } [البقرة: 186] ولكن ما الشروط اللازمة لذلك؟ لقد قال الحق: { وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي } [البقرة: 186] ونعرف أن فيه فرقاً بين " عبيد " و " عباد " ، صحيح أن مفرد كل منهما " عبد " ، لكن هناك " عبيد " و " عباد " ، وكل من في الأرض عبيد الله، ولكن ليس كل من في الأرض عباداً لله، لماذا؟ لأن العبيد هم الذين يُقهرون في الوجود كغيرهم بأشياء، وهناك من يختارون التمرد على الحق، لقد أخذوا اختيارهم تمرداً، لكن العباد هم الذين اختاروا الانقياد لله في كل الأمور.

السابقالتالي
2 3 4 5 6