الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي ٱلأَرْضِ حَلاَلاً طَيِّباً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ ٱلشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ }

إن من رحمة الله عز وجل على عباده أنه لم يقصر الخطاب على الذين آمنوا وإنما وسع الدائرة لتشمل المؤمنين وغيرهم فقال: { يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ } [البقرة: 168] فكأنه خلق ما في الأرض جميعاً للناس جميعاً، وهذا ما قلنا عنه: إنه عطاء الربوبية لكل البشر، مَنْ آمن منهم ومَنْ لم يؤمن، فهو سبحانه خلق كل الخلق، مؤمنهم وكافرهم، وما دام قد خلقهم واستدعاهم إلى الوجود فهو يوجه الخطاب لهم جميعاً مؤمنهم وكافرهم وكأن الخطاب يقول للكافرين: حتى ولو لم تؤمنوا بالله، فخذوا من المؤمنين الأشياء الحلال واستعملوها لأنها تفيدكم في دنياكم وإن لم تؤمنوا بالله، لأن من مصلحتكم أن تأكلوا الحلال الطيب، فالله لم يحرم إلا كل ضار، ولم يحلل إلا كل طيب. هنا موقف يقفه كثير من الذين أسرفوا على أنفسهم، ويحبون أن تكون قضية الدين وقضية التحريم وقضية التحليل، قضايا كاذبة لأنه لا ينجيهم أمام أنفسهم إلا أن يجدوا أشياء يكذبون بها الدين، لأنهم لم يستطيعوا أن يحملوا أنفسهم على مطلوبات الله، فلما لم يستطيعوا ذلك لم يجدوا منفذاً لهم إلا أن يقولوا: إن قضايا الدين كاذبة بما فيها التحليل والتحريم. إنهم يقولون: ما دام الله قد حرم شيئاً فلماذا خلقه في الكون؟. كأنهم يعتقدون أن كل مخلوق في الأرض قد خُلق ليؤكل، وما علموا أن لكل مخلوق في الأرض مهمة، فهم الآن يمسكون الحيات والثعابين ليستخلصوا منها السموم حتى يقتلوا بها الميكروبات التي تقتل الإنسان، وكانوا قبل اكتشاف فائدة السم في الثعبان يتساءلون " وما فائدة خلق مثل هذه الثعابين؟ ". فلما أحوجهم الله وألجأهم إلى أن يستفيدوا بما في الثعابين من سم ليجعلوه علاجاً أدركوا حكمة الله من خلق هذه الأنواع، لقد خلقها لا لنأكلها، وإنما لنعالج بها. فأنت إذا رأيت شيئاً محرماً لا تقل لماذا خلقه الله، لأنك لا تعرف ما هي مهمته، فليست مهمة كل مخلوق أن يأكله الإنسان، إنما لكل مخلوق مهمة قد لا تشعر بأدائها في الكون. وهذه مسألة نستعملها نحن في ذوات نفوسنا، على سبيل المثال عندما يأتي الصيف ونخشى على ملابسنا الصوفية من الحشرات فنأتي لها بما يقتل الحشرات، وهو " النفتالين " ، ونحذر أبناءنا من عدم الاقتراب منه وأكله. إن " النفتالين " لا يؤكل، ولكنه مفيد في قتل الحشرات الضارة. كذلك " الفينيك " نشتريه ونضعه في زجاجة في المنزل لنطهر به أي مكان ملوث، ونحذر الأطفال منه لأنه ضار لهم، ولكنه نافع في تطهير المنزل من الحشرات، وكذلك المخلوقات التي لا نعرف حكمة خلقها، لقد خلقها الله لمهمة خاصة بها، فلا تنقل شيئاً من مهمته إلى مهمة أخرى.

السابقالتالي
2 3