الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ فِي خَلْقِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَٱخْتِلاَفِ ٱللَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ وَٱلْفُلْكِ ٱلَّتِي تَجْرِي فِي ٱلْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ ٱلنَّاسَ وَمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مِن مَّآءٍ فَأَحْيَا بِهِ ٱلأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ وَتَصْرِيفِ ٱلرِّيَاحِ وَٱلسَّحَابِ ٱلْمُسَخَّرِ بَيْنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ }

إن الله سبحانه برحمته خلق الإنسان منعماً عليه، وخلق كل ما في الكون نعمة له، ويلفتنا إلى الدليل على هذه القضية بالكون نفسه. ويحدد مظاهر في الكون لم يدّع أحد أنه خلقها وأوجدها، فإذا ما جاء الناس الذين لا يؤمنون بالإله الواحد يزحزحون الألوهية إلى سواه نقول لهم: هذا الكون العجيب الذي يتمثل في الأرض ويتمثل في السماء، ويتمثل في اختلاف الليل والنهار، ويتمثل في الفلك التي تجري في البحر، ويتمثل في ما أنزل الله من السماء من ماء، ويتمثل في السحاب المسخر بين السماء والأرض كل هذه الآيات - أي الأمور العجيبة -.. تلفت إلى أن موجدها أعظم منها. إنه سبحانه يريد أن ينبه العقل إلى أن يستقبل نعمة الوجود في ذاته وفي الكون المسخر له ليستنبط من هذه الآيات العجيبة صدق الله في قوله:.. وإِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ } [البقرة: 163]، لأنه ليس من المعقول أن يخلق غير الله كل ذلك الخلق ثم يسكت عنه!، فضلاً عن أن أحداً لم يدع أنه خلقها، وما دام لم يدع أحدٌ ذلك، وأنت أيها الإنسان لم تخلقها، ورغم الكفر والعناد لم يدع أحد هذه القضية قط، إذن سيظل الملك لله وحده إلى أن يقول أحدٌ: أنا لي الملك، ولم يوجد إلى الآن من يجرؤ على هذه الكلمة، وهذا دليل على أن الله واحد أحد. إن الحق سبحانه يقول:لَخَلْقُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ أَكْـبَرُ مِنْ خَلْقِ ٱلنَّاسِ وَلَـٰكِنَّ أَكْـثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ } [غافر: 57]. لماذا؟. لأن الناس من الأرض قد خُلقوا، وبما في الأرض عاشوا، فالأصل هو أن خلق السماوات والأرض أَكبر من خلق الناس فالناس أبناء الأرض، واقتياتهم منها وبقاء حياتهم عليها. ومن المعقول أن الحق سبحانه قد خلق ما يخلق منه الإنسان قبل أن يخلق الإنسان، وحتى يعيش ذلك الإنسان أمده الله بجنس ما خُلِق منه. واذكروا جيداً أننا قلنا إن الله حين يعرض قضية الخلق للإنسان فهو سبحانه يعرضها عرضاً فيه مناعة ضد أي قضية أخرى تناقضها. ولذلك يقول لنا: إن خلق السماوات والأرض وخلقكم هو أمر غيبي، وما دام أمراً غيبياً فلا رائي له ولا مشاهد له إلا الذي خلقه، فخذوا علم الخلق منه، ولذلك قال سبحانه وتعالى:مَّآ أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَلاَ خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ ٱلْمُضِلِّينَ عَضُداً } [الكهف: 51]. فيجب أن نحذر هؤلاء المضللين الذين يحاولون إضلالنا بقضايا ليست حقيقية، فالحق قد علم أزلا بأنه سيوجد قوم يقولون: إن السماء والأرض خلقتا بطريقة كذا، والإنسان خلق بأسلوب كذا، وعندما نسمع هؤلاء نقول: هؤلاء هم المضللون، وقد نبهنا الله أزلا إليهم. إذن، فوجود المضللين هو عين الدليل على صدق الله، هؤلاء الذين قالوا: الأرض كانت جزءاً من الشمس وانفصلت عنها، والإنسان أصله قرد، لأنه لو لم يوجد مضللون لقلنا: " أين يا رب ما قلت عنهم إنهم مضللون؟ ".

السابقالتالي
2 3 4 5