الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ إِلاَّ ٱلَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَبَيَّنُواْ فَأُوْلَـئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ }

أي أعلنوا التوبة وهي أمر ذاتي، وأصلحوا بمقدار ما أفسدوا، وبينوا للناس بمقدار ما كتموا، إذن شرط التوبة أن يعود كل حق لصاحبه، فالذي كتم شيئاً عليه أن يبينه، فالكتمان لا يؤثر فقط في العلاقة بين العبد والرب، ولكنه يضر العباد، والحق سبحانه حين يفتح باب التوبة للعبد يقول:تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوۤاْ.. } [التوبة: 118]. ومادة " تاب " تعني الرجوع إلى الله، فعندما يتوب العبد فهو يعود إلى ربه طالباً المغفرة عن العصْيان والذنب، وعندما يتوب الله على عبد، فذلك يعني أن الله قبل توبته، فبعد أن كان مقدراً له أن يُعذب فإن الله يعفو عنه فلا يُعذِبُه، إذن فالتوبة كلها رجوع إلى الله، وحين تُقدم التوبة من الله على التوبة من العباد في قوله: " تاب عليهم ليتوبوا " ، فمعنى ذلك أن الحق شرع التوبة وقننها ليفتح باب الرجوع إليه، فهناك ثلاث مراحل للتوبة: المرحلة الأولى: هي أن الله شرع التوبة. المرحلة الثانية: هي أن يتوب العبد. المرحلة الثالثة: أن يقبل الله التوبة. وكلها تعني الرجوع عن المعصية والذنب. إذن فأي إنسان يذنب ذنباً لابد أن يصلح هذا الذنب من جنس ما فعل، فإن فعل ذنباً سراً فيكفيه أن يتوب سراً، أما إن كسر حدود الله علنا، فنقول له: لا يستقيم أبداً أن تعصي الله علنا أمام الناس وتكون أسوة سيئة لأناس تجعلهم يتجرأون ويكسرون حدود الله ثم تتوب بينك وبين الله سراً، لابد أن تكون توبتك علناً، ولذلك فالمثل العامي يقول: " تضربني في شارع وتصالحني في حارة ". إن الذي يكسر حداً من حدود الله أمام الناس نقول له: لابد أن تعلن توبتك أمام الناس جميعاً، ولذلك نحن ندرأ الحدود بالشبهات، لكن الذي يتباهى بأنه ارتكب الذنب لا نتركه، مثلاً الذي شهد عليه أربعة بأنه ارتكب ذنباً من الكبائر كالزنى، لقد ظل يفعل الذنب باستهتار إلى أن شهد عليه أربعة، هل يعقل أن نقول له: ندرأها بالشبهات؟. لا. هو كسر الحد علنا فوجبت معاقبته بإقامة الحد. وأما الذين تابوا وأصلحوا ما أفسدوه وبَيَّنوا للناس ما كتموه فجزاؤهم توبة من الله. ومن لطف الله بالإنسان أن شرع التوبة حتى يشعر الناس بالذنب، وجعلها من فعل التائب ومن فعل قابل التوبة، وهو الله سبحانه فقال: " تابوا " و " أتوب " ، كل ذلك حتى لا يستشعر الإنسان عندما يرتكب ذنباً ويتوب أنها مسألة مستعصية، إن الحق يقول: { فَأُوْلَـئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ } [البقرة: 160] إنه سبحانه يتوب على من تاب عن الذنب ويتوب عن المذنبين جميعاً، فهو تعالى " تواب " وهي كلمة تعني المبالغة في الصفة. ويقول الحق بعد ذلك: { إِن الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ ٱللَّهِ... }.