الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ ٱلْخَوْفِ وَٱلْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ ٱلأَمَوَالِ وَٱلأَنفُسِ وَٱلثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ ٱلصَّابِرِينَ }

نعرف أن مجرد الابتلاء ليس شراً، ولكن الشر هو أن تسقط في الابتلاء، فكل ابتلاء هو اختبار وامتحان، ولم يقل أحد: إن الامتحانات شر، إنها تصير شراً من وجهة نظر الذي لم يتحمل مشاق العمل للوصول إلى النجاح، أما الذي بذل الجهد وفاز بالمركز الأول، فالامتحانات خير بالنسبة له، إذن فقوله الحق: { وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ } [البقرة: 155] أي سنضع لكم امتحاناً يصفي البطولة للعقيدة الجديدة. والحق سبحانه قد ذكر لنا قبل هذه الآية قمة الابتلاءات وهي أن ينال الإنسان الاستشهاد في سبيل الله، وذكر ثواب الشهيد، وهو البقاء على هيئة من الحياة عند ربه، وكان ذلك مقدمة للابتلاءات الأقل، فقمة الابتلاء - في حدود إدراكنا - هي فقد الحياة، وأراد الحق أن يعطي المؤمنين مناعة فيما دون الحياة، مناعة من الخوف والجوع ونقص الأموال والأنفس والثمرات. وكل ما دون حياة الفرد هو أمر ترفي بالنسبة لفقد الحياة نفسها، فمن لم يفقد حياته، فستأتي له ابتلاءات فيما دون حياته وهي ابتلاءات الخوف والجوع ونقص الأموال، ونقص في عدد الإخوة المؤمنين، وكذلك نقص في الثمرات، وكل هذه أشياء يحبها الإنسان، ويأتي التكليف ليطلب من المؤمن أن يترك بعضاً مما يحب، وتلك الابتلاءات تدخل في نطاق بقاء التكليف. وأول تلك الابتلاءات هو الخوف، والخوف هو انزعاج النفس وعدم اطمئنانها من توقع شيء ضار، فالنفس لها ملكات متعددة، وعندما يصيبها الخوف، فهي تعاني من عدم الانسجام، والخوف خَوَرٌ لا ضرورة له، لأنك إذا كنت تريد أن تؤمِّن نفسك من أمر يُخيفك، فأنت تحتاج إلى أن تجتهد بأسبابك لتعوق هذا الذي يُخيفك، أما إن استسلمت للانزعاج، فلن تستطيع مواجهة الأمر المخيف بكل ملكاتك، لأنك ستواجهه ببعض من الملكات الخائرة المضطربة، بينما أنت تحتاج إلى استقرار الملكات النفسية ساعة الخوف حتى تستطيع أن تمد نفسك بما يؤمنك من هذا الخوف. أما إن زاد انزعاجك عن الحد، فأنت بذلك تكون قد أعنت مصدر الخوف على نفسك لأنك لن تواجه الأمر بجميع قواك، ولا بجميع تفكيرك. إذن فالذي يخاف من الخوف نقول له: أنت مُعين لمصدر الخوف على نفسك، وخوفك وانزعاجك لن يمنع الخوف، ولذلك لابد لك من أن تنشغل بما يمنع الأمر المخوف، ودع الأمر المخوف إلى أن يقع، فلا تعش في فزعه قبل أن يأتيك، فآفة الناس أنهم يعيشون في المصائب قبل وقوعها، وهم بذلك يطيلون على أنفسهم أمد المصائب. إن المصيبة قد تأتي - مثلاً - بعد شهر، فلماذا تطيل من عمر المصيبة بالتوجس منها والرهبة من مواجهتها؟ إنك لو تركتها إلى أن تقع تكون قد قصرت مسافتها. ولك أن تعرف أن الحق سبحانه وتعالى ساعة تأتي المصيبة فهو برحمته يُنزِل معها اللطف، فكأنك إن عشت في المصيبة قبل أن تقع، فأنت تعيش في المصيبة وحدها معزولة عن اللطف المصاحب لها، لكن لو ظللت صابراً محتسباً قادراً على مواجهة أي أمر صعب، فأنت لن تعيش في المصيبة بدون اللطف.

السابقالتالي
2 3