الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبيلِ ٱللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِن لاَّ تَشْعُرُونَ }

الحق جل جلاله يعلم أن أحداث الإيمان وخصوم الإيمان سيواجهون المسلمين بمشقة عنيفة.. لا تهددهم في أموالهم فقط ولكن تهددهم في نفوسهم، فأراد الله عز وجل أن يعطي المؤمنين مناعة ضد هذه الأحداث.. وأوصاهم بالصبر والصلاة يواجهون بها كل حدث يهزهم بعنف.. قال لهم إن المسألة قد تصل إلى القتل.. إلى الاستشهاد في سبيل الله. وأراد أن يطمئنهم بأن الشهادة هي أعلى مرتبة إيمانية يستطيع الإنسان المؤمن أن يصل إليها في الدنيا فقال سبحانه: { وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبيلِ ٱللَّهِ أَمْوَاتٌ } [البقرة: 154]. إن القتل هو أشد ما يمكن أن يقع على الإنسان.. فأنت تصاب في مالك أو في ولدك أو في رزقك أو في صحتك، أما أن تصاب في نفسك فتُقْتل فهذه هي المصيبة الكبرى.. والله سبحانه سَمَّى الموتَ مصيبة واقرأ قوله تعالى:إِنْ أَنتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي ٱلأَرْضِ فَأَصَابَتْكُم مُّصِيبَةُ ٱلْمَوْتِ.. } [المائدة: 106]. الله تبارك وتعالى أراد أن يفهم المؤمنون أن الذي يُقْتل في سبيل الله لا يموت.. وإنما يعطيه الله لوناً جديداً من الحياة فيه من النعم ما لا يعد ولا يحصى. يقول جل جلاله: { وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبيلِ ٱللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِن لاَّ تَشْعُرُونَ } [البقرة: 154]. ما هو مظهر الحياة التي يعيشونها؟ الحياة عندنا مظهرها الحركة، والذي قُتِل في سبيل الله ما هي حركته؟ حركته بالنسبة لغير المؤمنين خصوم الإسلام والإيمان بأنه لن يسلب منه الحياة.. لأنه سيذهب إلى حياة أسعد، والموت ينقله إلى خير مما هو يعيش فيه.. فإذا كان الكفار قد قتلوه فهم لم يسلبوه شيئاً وإنما نقلوه إلى نعمة أكبر مما كان يعيش فيها.. أما بالنسبة للمؤمنين فإنه سيحمي لهم منهج الله ليصل إليهم إلى أن تقوم الساعة. إن كل المعارك التي يستشهد فيها المؤمنون إنما هي سلسلة متصلة لحماية حركة الإيمان في الوجود.. وعظمة الحياة ليست في أن أتحرك أنا ولكن أن اجعل مَن بعدي يتحرك.. والمؤمن حين يستشهد يبقى أثره في الوجود لكل حركة من متحرك بعده.. فكل حركة لحماية الإيمان تستشهد به وبما فعله وتأخذ من سلوكه الإيماني دافعاً لتقاتل وتستشهد. فكأن الحركة متصلة والعملية متصلة.. أما الكافر فإن الحياة تنتهي عنده بالموت، ولكن تنتظره حياة أخرى حينما يبعث الله الناس جميعاً ثم يأتي بالموت فيموت.. وحين يموت الموت تصبح الحياة بلا موت إما في الجنة وإما في النار. الله سبحانه وتعالى يريدنا أن نعلم أن من يُقْتَل في سبيل الله هو حي عند ربه ينتقل من الحياة الدنيا إلى الحياة الآخرة مباشرة.

السابقالتالي
2