الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَّا كَسَبْتُمْ وَلاَ تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ }

وقوله تعالى: " خلت " أي انفردت. وخلا فلان بفلان أي انفرد به.. وخلا المكان من نزيله أي أصبح المكان منفرداً، والنزيل منفرداً ولا علاقة لأحدهما بالآخر.. الله تبارك وتعالى يقول:وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَىٰ شَيَاطِينِهِمْ قَالُوۤاْ إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ } [البقرة: 14]. أي انفردوا هم وشياطينهم ولم يعد في المكان غيرهم ولقد قلنا إن كل حدث لابد أن يكون له مُحْدِثٌ، ولا حدث يوجد بذاته، وكل حدث يحتاج إلى زمان ويحتاج إلى مكان.. فإذا قال الحق تبارك وتعالى: { تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ } فمعناه إنه انقضى زمانها وانفرد عن زمانكم. والمقصود بقوله تعالى: { تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ } [البقرة: 134] أي انتهى زمانها.. وتلك اسم إشارة لمؤنث مخاطب وأمة هي المشار إليه، والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم ولعامة المسلمين.. والله سبحانه وتعالى حين يقول: { تِلْكَ أُمَّةٌ } [البقرة: 134] فكأنها مميزة بوحدة عقيدتها ووحدة إيمانها حتى أصبحت شيئاً واحداً.. ولذلك لابد أن يخاطبها بالوحدة.. واقرأ قوله تعالى:إِنَّ هَـٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَاْ رَبُّكُمْ فَٱعْبُدُونِ } [الأنبياء: 92]. وتلك هنا إشارة لأمة إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب.. هم جماعة كثيرة لهم عقيدة واحدة. وقوله تعالى: { لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَّا كَسَبْتُمْ } [البقرة: 134].. أي تلك جماعة على دين واحد تُحاسب عما فعلته كما ستحاسبون أنتم على ما فعلتم.. ولكن الله سبحانه وتعالى يقول:إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً.. } [النحل: 120]. وإبراهيم فرد وليس جماعة؟ نقول: نعم إن إبراهيم فرد، ولكن اجتمعت فيه من خصال الخير ومواهب الكمال ما لا يجتمع إلا في أمة. وقوله تعالى: { قَدْ خَلَتْ } [البقرة: 134] يراد بها إفهام اليهود ألا ينسبوا أنفسهم إلى إبراهيم نسباً كاذباً لأن نسب الأنبياء ليس نسباً دموياً أو جنسياً أو انتماء.. وإنما نسب منهج واتباع.. فكأن الحق يقول لليهود لن ينفعكم أن تكونوا من سلالة إبراهيم ولا إسحاق ولا يعقوب.. لأن نسب النبوة هو نسب إيماني فيه اتباع للمنهج والعقيدة.. ولا يشفع هذا النسب يوم القيامة لأن لكل واحد عمله. قوله تعالى: { لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَّا كَسَبْتُمْ } [البقرة: 134].. الكسب يؤخذ على الخير والاكتساب يؤخذ في الشر لأن الشر فيه افتعال. إننا لابد أن نلتفت ونتنبه إلى آيات القرآن الكريم، حتى نستطيع أن نرد على أولئك الذين يحاولون الطعن في القرآن.. فلا يوجد معنى لآية تهدمها آية أخرى ولكن يوجد عدم فَهْم. يأتي بعض المستشرقين ليقول هناك آية في القرآن تؤكد أن الله سبحانه وتعالى يعطي بالأنساب وذلك في قوله جل جلاله:وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَٱتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَآ أَلَتْنَاهُمْ مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ.. }

السابقالتالي
2 3