الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ ٱجْعَلْ هَـٰذَا بَلَداً آمِناً وَٱرْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ ٱلثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ قَالَ وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَىٰ عَذَابِ ٱلنَّارِ وَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ }

يقول الحق سبحانه وتعالى:وَإِذْ جَعَلْنَا ٱلْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْناً } [البقرة: 125].. وما دام الله قد جعله أمناً فما هي جدوى دعوة إبراهيم أن تكون مكة بلداً آمنا.. نقول إذا رأيت طلباً لموجود فاعلم أن القصد منه هو دوام بقاء ذلك الموجود.. فكأن إبراهيم يطلب من الله سبحانه وتعالى أن يديم نعمة الأمن في البيت.. ذلك لأنك عندما تقرأ قول الحق تبارك وتعالى:يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ آمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَٱلْكِتَابِ ٱلَّذِي نَزَّلَ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَٱلْكِتَابِ ٱلَّذِيۤ أَنزَلَ مِن قَبْلُ وَمَن يَكْفُرْ بِٱللَّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيداً } [النساء: 136]. هو خاطبهم بلفظ الإيمان ثم طلب منهم أن يؤمنوا.. كيف؟ نقول إن الله سبحانه يأمرهم أن يستمروا ويداوموا على الإيمان.. ولذلك فإن كل مطلوب لموجود هو طلبٌ لاستمرار هذا الموجود. وقول إبراهيم: { رَبِّ ٱجْعَلْ هَـٰذَا بَلَداً آمِناً.. } [البقرة: 126].. أي يا رب إذا كنت قد جعلت هذا البيت آمناً من قبل فَأَمِّنْه حتى قيام الساعة.. ليكون كل من يدخل إليه آمناً لأنه موجود في واد غير ذي زرع.. وكانت الناس في الماضي تخاف أن تذهب إليه لعدم وجود الأمان في الطريق.. أو آمنا أي: أن يديم الله على كل من يدخله نعمة الإيمان. وقوله تعالى: { ٱجْعَلْ هَـٰذَا بَلَداً آمِناً } [البقرة: 126] تكررت في آية أخرى تقول:رَبِّ ٱجْعَلْ هَـٰذَا ٱلْبَلَدَ ءَامِناً.. } [إبراهيم: 35].. فمرة جاء بها نكرة ومرة جاء بها معرفة.. نقول إن إبراهيم حين قال:رَبِّ ٱجْعَلْ هَـٰذَا ٱلْبَلَدَ ءَامِناً.. } [إبراهيم: 35].. طلب من الله شيئين.. أن يجعل هذا المكان بلداً وأن يجعله آمناً. ما معنى أن يجعله بلداً؟ هناك أسماء تؤخذ من المحسات.. فكلمة غصب تعني سلخ الجلد عن الشاة وكأن من يأخذ شيئاً من إنسان غصباً كأنه يسلخه منه بينما هو متمسك به. كلمة بلد حين تسمعها تنصرف إلى المدينة.. والبلد هو البقة تنشأ في الجلد فتميزه عن باقي الجلد كأن تكون هناك بقعة بيضاء في الوجه أو الذراعين فتكون البقعة التي ظهرت مميزة ببياض اللون.. والمكان إذا لم يكن فيه مساكن ومبان فيكون مستوياً بالأرض لا تستطيع أن تميزه بسهولة.. فإذا أقمت فيه مباني جعلت فيه علامة تميزه عن باقي الأرض المحيطة به. وقوله تعالى: { وَٱرْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ ٱلثَّمَرَاتِ } [البقرة: 126].. هذه من مستلزمات الأمن لأنه ما دام هناك رزق وثمرات تكون مقومات الحياة موجودة، فيبقى الناس في هذا البلد.. ولكن إبراهيم قال: { وَٱرْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ ٱلثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ } [البقرة: 126] فكأنه طلب الرزق للمؤمنين وحدهم.

السابقالتالي
2