الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذِ ٱبْتَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي ٱلظَّالِمِينَ }

يأتي الحق سبحانه وتعالى إلى قصة إبراهيم عليه السلام.. ليصفي الجدل والتشكيك الذي أحدثه اليهود عند تغيير القبلة.. واتجاه المسلمين إلى الكعبة المشرفة بدلا من بيت المقدس.. كذلك الجدل الذي أثاره اليهود بأنهم شعب الله المختار وأنه لا يأتي نبي إِلاَّ منهم. يريد الله تبارك وتعالى أن يبين صلة العرب بإبراهيم وصلتهم بالبيت.. فيقول الحق جل جلاله: { وَإِذِ ٱبْتَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ } [البقرة: 124].. ومعناها اذكر إذا ابتلى الله إبراهيم.. وإذ هنا ظرف وهناك فرق بينها وبين إذا الشرطية في قوله تعالى:إِذَا جَآءَ نَصْرُ ٱللَّهِ وَٱلْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ ٱلنَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ ٱللَّهِ أَفْوَاجاً } [النصر: 1-2]. إذا هنا ظرف ولكنه يدل على الشرط.. أما إذ فهي ظرف فقط.. وقوله تعالى: { وَإِذِ ٱبْتَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ } [البقرة: 124].. معناها اذكر وقت أن ابتلى إبراهيم بكلمات. ما معنى الابتلاء؟ الناس يظنون أنه شر ولكنه في الحقيقة ليس كذلك.. لأن الابتلاء هو امتحان إن نجحنا فيه فهو خير وإن رسبنا فيه فهو شر.. فالابتلاء ليس شراً ولكنه مقياس لاختبار الخير والشر. الذي ابتلى هو الله سبحانه.. هو الرب.. والرب معناه المربي الذي يأخذ من يربيه بأساليب تؤهله إلى الكمال المطلوب منه.. ومن أساس التربية أن يمتحن المربي من يربيه ليعلم هل نجح في التربية أم لا؟ والابتلاء هنا بكلمات والكلمات جمع كلمة.. والكلمة قد تطلق على الجملة مثل قوله تعالى:وَيُنْذِرَ ٱلَّذِينَ قَالُواْ ٱتَّخَذَ ٱللَّهُ وَلَداً * مَّا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلاَ لآبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِن يَقُولُونَ إِلاَّ كَذِباً } [الكهف: 4-5]. إذن فالكلمة قد تطلق على الجملة وقد تطلق على المفرد.. كأن تقول مثلاً محمد وتسكت.. وفي هذه الحالة لا تكون جملة مفيدة.. والكلمة المرادة في هذه الآية هي التكليف من الله. قوله سبحانه افعل ولا تفعل.. فكأن التكليف من الله مجرد كلمة وأنت تؤدي مطلوبها أو لا تؤديه.. وقد اختلف العلماء حول الكلمات التي تلقاها إبراهيم من ربه.. نقول لهم إن هذه الكلمات لابد أن تناسب مقام إبراهيم أبي الأنبياء.. إنها ابتلاء يجعله أهلاً لحمل الرسالة.. أي لابد أن يكون الابتلاء كبيراً.. ولقد قال العلماء إن الابتلاءات كانت عشرة وقالوا أربعين منها عشرة في سورة التوبة وهي قوله تعالى:ٱلتَّائِبُونَ ٱلْعَابِدُونَ ٱلْحَامِدُونَ ٱلسَّائِحُونَ ٱلرَّاكِعُونَ ٱلسَّاجِدونَ ٱلآمِرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَٱلنَّاهُونَ عَنِ ٱلْمُنكَرِ وَٱلْحَافِظُونَ لِحُدُودِ ٱللَّهِ.. } [التوبة: 112]. وهذه رواية عبد الله بن عباس.. وعشرة ثانية في سورة المؤمنون. وفي قوله سبحانه:قَدْ أَفْلَحَ ٱلْمُؤْمِنُونَ * ٱلَّذِينَ هُمْ فِي صَلاَتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَٱلَّذِينَ هُمْ عَنِ ٱللَّغْوِ مُّعْرِضُونَ * وَٱلَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَـاةِ فَاعِلُونَ * وَٱلَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلاَّ عَلَىٰ أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ٱبْتَغَىٰ وَرَآءَ ذٰلِكَ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْعَادُونَ * وَٱلَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ * وَٱلَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْوَارِثُونَ }

السابقالتالي
2 3