الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ بَلَىٰ مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ للَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِندَ رَبِّهِ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ }

بعد أن بَيَّنَ لنا الله تبارك وتعالى كذب اليهود وطالبهم بالدليل على ما قالوه من أنه لن يدخل الجنة إلا اليهود والنصارى جاء بحقيقة القضية ليخبرنا جل جلاله من الذي سيدخل الجنة.. فقال: " بلى ".. وعندما تقرأ: " بلى " اعلم أنها حرف جواب ولابد أن يسبقها كلام ونفي.. فساعة يقول لك إنسان ليس لي عليك دَيْنٌ.. إذا قلت له نعم فقد صدقت أنه ليس عليه دين.. ولكن إذا قلت بلى فذلك يعني أن عليه ديناً وأنه كاذب فيما قاله.. إذن بلى تأتي جواباً لتثبت نفي ما تقدم. هم قالوالَن يَدْخُلَ ٱلْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَىٰ } [البقرة: 111].. عندما يقول الله لهم " بلى " فمعنى ذلك أن هذا الكلام غير صحيح.. وأنه سيدخلها غير هؤلاء.. وليس معنى أنه سيدخلها غير اليهود والنصارى.. أن كل يهودي وكل نصراني سيدخل الجنة.. لأن الله سبحانه وتعالى قد حكم حينما جاء الإسلام بأن الذي لا يسلم لا يدخل الجنة.. واقرأ قوله جل جلاله:وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ ٱلإِسْلاَمِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي ٱلآخِرَةِ مِنَ ٱلْخَاسِرِينَ } [آل عمران: 85]. لماذا لم يقل الله سبحانه وتعالى.. أنه لن يدخلها اليهود ولا النصارى.. لأن القرآن أزلي.. ما معنى أزلي؟.. أي أنه يعالج القضايا منذ بداية الخلق وحتى يوم القيامة.. فالقرآن كلام الله تبارك وتعالى.. فلو أنه قال لن يدخل الجنة إلا من آمن بمحمد صلى الله عليه وسلم لكان في هذا تجاوزٌ.. لأن هناك من آمن بموسى وقت رسالته وعاصره واتبعه وحسن دينه ومات قبل أن يدرك محمداً عليه الصلاة والسلام.. فهل هذا لا يدخل الجنة ويجازى بحسن عمله.. وهناك من النصارى من آمن بعيسى وقت حياته.. وعاصره ونفذ تعاليمه ومنهجه ثم مات قبل أن يُبْعَثَ محمدٌ عليه الصلاة والسلام.. أهذا لن يدخل الجنة؟.. لا.. يدخل وتكون منزلته حسب عمله ويجازى بأحسن الجزاء.. ولكن بعد أن بعث محمد صلى الله عليه وسلم وجاء الإسلام ونزل القرآن، فكل من لم يؤمن برسول الله صلى الله عليه وسلم لن يدخل الجنة.. بل ولن يراها.. ولذلك جاء كلام الله دقيقاً لم يظلم أحداً من خلقه. إذن فقوله تعالى: { بَلَىٰ مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ للَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ } [البقرة: 112].. أي لا يدخل الجنة إلا من أسلم وجهه لله وهو محسن.. فقد يسلم واحد وجهه لله ويكون منافقاً يظهر غير ما يبطن.. نقول إن المنافقين لم يكونوا محسنين ولكنهم كانوا مسيئين.

السابقالتالي
2