الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }

ولكن ما هو السبب؟ السبب أن أهل الكتاب والمشركين لا يريدون خيراً للمؤمنين في دينهم لأنهم أحسوا أن ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم في زمنه خير مما جاء به موسى وبقى إلى زمن محمد صلى الله عليه وسلم.. وخير مما جاء به عيسى في زمن محمد صلى الله عليه وسلم وليس معنى ذلك أننا نحاول أن ننقص ما جاء به الرسل السابقون.. لكننا نؤكد أن الرسل السابقين جاءوا في أزمانهم بخير ما وُجد في هذه الأزمان.. فكل رسالة من الرسالات التي سبقت رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم.. جاءت لقوم محدّدين ولزمن محدّد.. ثم جاء نبي جديد لينسخ ما في الرسالة السابقة لقوم محددين وزمن محدّد.. واقرأ قول عيسى عليه السلام حينما بعث إلى بني إسرائيل كما يروي لنا القرآن الكريم:وَمُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ ٱلتَّوْرَاةِ وَلأُحِلَّ لَكُم بَعْضَ ٱلَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ } [آل عمران: 50]. فكأن عيسى عليه السلام جاء لينسخ بعض أحكام التوراة.. ويحل لبني إسرائيل بعض ما حرمه الله عليهم.. ورسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الرسول الخاتم أعطى الخير كله لأنه دينه للعالمين وباق إلى يوم القيامة. وهكذا نرى أن المؤمنين بالرسل كلما جاء رسول جديد كانوا ينتقلون من خير إلى خير.. وفيما تتفق فيه الرسالات كانوا ينتقلون إلى مثل هذا الخير.. وذلك فيما يتعلق بالعقائد، وإلى زيادة في الخير فيما يتعلق بمنهج الحياة.. هناك في رسالات السماء كلها أمور مشتركة لا فرق فيها بين رسول ورسول وهي قضية الإيمان بإله واحد أحد له الكمال المطلق.. سبحانه في ذاته، وسبحانه في صفاته، وسبحانه في أفعاله.. كل ذلك قدر الرسالات فيه مشترك.. ولكن الحياة في تطورها توجد فيها قضايا لم تكن موجودة ولا مواجهة في العصر الذي سبق.. فإذا قلنا إن رسالة بقيمتها العقائدية تبقى.. فإنها لا تستطيع أن تواجه قضايا الحياة التي ستأتي بها العصور التي بعدها فيما عدا الإسلام.. لأنه جاء ديناً خاتماً لا يتغير ولا يتبدل إلى يوم القيامة.. على أننا نجد من يقول وماذا عن قول الله سبحانه وتعالى:شَرَعَ لَكُم مِّنَ ٱلدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحاً وَٱلَّذِيۤ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ أَنْ أَقِيمُواْ ٱلدِّينَ وَلاَ تَتَفَرَّقُواْ فِيهِ كَبُرَ عَلَى ٱلْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ ٱللَّهُ يَجْتَبِيۤ إِلَيْهِ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِيۤ إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ } [الشورى: 13]. نقول إن هذا يأتي في شيء واحد.. يتعلق بالأمر الثابت في رسالات السماء وهو قضية قمة العقيدة والإيمان بالله الواحد.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7