الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ أَلَمْ تَرَ أَنَّآ أَرْسَلْنَا ٱلشَّيَاطِينَ عَلَى ٱلْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزّاً }

الأزُّ: هو الهزُّ الشديد بعنف أي: تُزعجهم وتُهيجهم، ومثْلُه النزغ في قوله سبحانه وتعالى:وَإِماَّ يَنَزَغَنَّكَ مِنَ ٱلشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَٱسْتَعِذْ بِٱللَّهِ.. } [الأعراف: 200]. والأَزّ أو النَّزْغ يكون بالوسوسة والتسويل ليهيجه على المعصية والشر، كما يأتي هذا المعنى أيضاً بلفظ الطائف، كما في قوله تبارك وتعالى:إِنَّ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ ٱلشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ } [الأعراف: 201]. وهذه الآية: { أَلَمْ تَرَ أَنَّآ أَرْسَلْنَا ٱلشَّيَاطِينَ.. } [مريم: 83] تثير سؤالاً: إذا كان الحق تبارك وتعالى يكره ما تفعله الشياطين بالإنسان المؤمن أو الكافر، فلماذا أرسلهم الله عليه؟ أرسل الله الشياطين على الإنسان لمهمة يؤدونها، هذه المهمة هي الابتلاء والاختبار، كما قال تعالى:أَحَسِبَ ٱلنَّاسُ أَن يُتْرَكُوۤاْ أَن يَقُولُوۤاْ آمَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ } [العنكبوت: 2]. إذن: فهم يُؤدُّون مهمتهم التي خُلِقوا من أجلها، فيقفوا للمؤمن ليصرفوه عن الإيمان فيُمحص الله المؤمنين بذلك، ويُظهر صلابة مَنْ يثبت أمام كيد الشيطان. وقلنا: إن للشيطان تاريخاً مع الإنسان، بداية من آدم عليه السلام حين أَبَى أن يطيع أمر الله له بالسجود لآدم، فطرده الله تعالى وأبعده من رحمته، فأراد الشيطان أنْ ينتقمَ من ذرية آدم بسبب ما ناله من آدم، فقال:قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ } [ص: 82]. وقال:قَالَ فَبِمَآ أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ ٱلْمُسْتَقِيمَ } [الأعراف: 16]. وهكذا أعلن عن منهجه وطريقته، فهو يتربص لأصحاب الاستقامة، أما أصحاب الطريق الأعوج فليسوا في حاجة إلى إضلاله وغوايته. لذلك نراه يتهدد المؤمنين:ثُمَّ لآتِيَنَّهُمْ مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ.. } [الأعراف: 17]. ومعلوم أن الجهات ست، يأتي منها الشيطان إلا فوق وتحت لأنهما مرتبطتان بعزِّ الألوهية من أعلى، وذُلّ العبودية من أسفل، حين يرفع العبد يديه لله ضارعاً وحين يخِرُّ لله ساجداً لذلك أُغلِقَتْ دونه هاتان الجهتان لأنهما جهتا طاعة وعبادة وهو لا يعمل إلا في الغفلة ينتهزها من الإنسان. والمتأمل في مسألة الشيطان يجد أن هذه المعركة وهذا الصراع ليس بين الشيطان وربه تبارك وتعالى، بل بين الشيطان والإنسان لأنه حين قال لربه تعالى:فَبِعِزَّتِكَ لأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ } [ص: 82] التزم الأدب مع الله. فالغواية ليست مهارة مني، ولكن إغويهم بعزتك عن خَلْقك، وترْكِكَ لهم الخيارَ ليؤمن مَنْ يؤمن، ويكفر مَنْ يكفر، هذه هي النافذة التي أنفذ منها إليهم، بدليل أنه لا سلطانَ لي على أهلك وأوليائك الذين تستخلصهم وتصطفيهم:إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ ٱلْمُخْلَصِينَ } [ص: 83]. وهنا أيضاً يثار سؤال: إذا كان الشيطان لا يقعد إلا على الصراط المستقيم لِيُضلَّ أهله، فلماذا يتعرَّض للكافر؟ نقول: لأن الكافر بطبعه وفطرته يميل إلى الإيمان وإلى الصراط المستقيم، وها هو الكون بآياته أمامه يتأمله، فربما قاده التأمل في كَوْن الله إلى الإيمان بالله لذلك يقعد له الشيطان على هذا المسْلك مسْلك الفكر والتأمل لِيحُول بينه وبين الإيمان بالخالق عز وجل.

السابقالتالي
2 3