الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰزَكَرِيَّآ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلاَمٍ ٱسْمُهُ يَحْيَىٰ لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيّاً }

المتأمل لهذه القصة يجد هذه الآية قد اختصرت من القصة ما يفهم من سياقها ثقةً في نباهة السامع، وأنه قادر على إكمال المعنى، فكأن معنى الآية: سمع الله دعاء زكريا وحيثيات طلبه، فأجابه بقوله: { يٰزَكَرِيَّآ.. } [مريم: 7]. وتوجيه الكلام إلى زكريا عليه السلام هكذا مباشرة دليلٌ على سرعة الاستجابة لدعائه، فجاءت الإجابة مباشِرة دون مُقدِّمات. ومثال ذلك: ما حكاه القرآن من قصة سليمان - عليه السلام - وبلقيس، قال سليمان:أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ * قَالَ عِفْرِيتٌ مِّن ٱلْجِنِّ أَنَاْ آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ * قَالَ ٱلَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ ٱلْكِتَابِ أَنَاْ آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرّاً عِندَهُ قَالَ هَـٰذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِيۤ أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ.. } [النمل: 38-40] فبيْنَ قوله:قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ.. } [النمل: 40] وقوله:رَآهُ مُسْتَقِرّاً عِندَهُ.. } [النمل: 40] كلام يقتضيه سياق القصة، كأن نقول: فأذِن له فذهب وأتى بالعرش، لكن جاء الأسلوب سريعاً ليتناسب مع سرعة الحدث في إحضار عرش بلقيس من مكانه. وقوله: { إِنَّا نُبَشِّرُكَ.. } [مريم: 7] البشارة: هي الإخبار بما يسرُّك قبل أن يجيء ليستطيل أمدَ الفرح بالشيء السَّار، وقد يُبشرك مُساويك ويكذب في البُشْرى، وقد تأتي الظروف والأحداث مُخالفة لما يظنه، فكيف بك إذا بشّرك الله تعالى؟ ساعة أن تكون البشارة من الله فاعلم أنها حَقٌّ وواقعٌ لا شكَّ فيه. وقوله: { بِغُلاَمٍ ٱسْمُهُ يَحْيَىٰ.. } [مريم: 7] أي: وسماه أيضاً. ونحن نعلم أن للبشر اختيارات في وَضْع الأسماء للمسميات، ولهم الحرية في ذلك، فواحدة تُسمى ولدها حرنكش هي حرة، والأخرى تسمى ابنتها الزنجية قمر هي أيضاً حرة. إلا أن الناس حين يُسمُّون يتمنون في المسمّى مواصفات تَسرُّ النفس وتقرُّ العين، فحين نُسمِّي سعيداً تفاؤلاً بأن يكون سعيداً فعلاً، والاسم وُضِع للدلالة على المسمى، لكن، أيملك هذا المتفائل أن يأتي المسمى على وَفْق ما يحب ويتمنى؟ لا، لا يملك ذلك ولا يضمنه لأن هناك قوة أعلى منه تتحكم في هذه المسألة، وقد يأتي المسمَّى على غير مُراده. أما إذا كان الذي سمّى هو الله تعالى فلا بد أن يتحقق الاسم في المسمَّى، وينطبق عليه، ولا بُدَّ أنْ يتحقَّق مراده تعالى في مَنْ سَمَّاه، وقد سَمَّى الحق تبارك وتعالى ابن زكريا يحيى فلا بُدَّ أن تنطبق عليه هذه الصفة، ويحيى فعل ضده يموت، إذن: فهو سبحانه القادر على أن يُحييه، لكن يحييه إلى متى؟ وكم عاماً؟ الحياة هنا والعيش يتحقق ولو بمتوسط الأعمار مثلاً، فقد أحياه وتحققت فيه صفة الحياة.

السابقالتالي
2