الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ مَا كَانَ للَّهِ أَن يَتَّخِذَ مِن وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَىٰ أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ }

لماذا تكلم الحق سبحانه هنا عن نفي الولد بالذات؟ قالوا: لأن مسألة الشريك لله تعالى تُنفَى بأولية العقل، فإنْ كان كُلُّ إله صالحاً للفعل وللترك، فهذه صورة مُكرّرة لا تناسب الإله، وإنْ كان هذا إلهاً لكذا وهذا إله لكذا، فما عند أحدهما نقص في الآخر، وهذا محال في الإله، ولو أن هناك إلهاً آخر لذهب كل منهما بجزء، كما قال سبحانه:إِذاً لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَـٰهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلاَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ.. } [المؤمنون: 91]. لذلك نفى مسألة الولد لأنها ذات أهمية خاصة بالنسبة لقصة عيسى عليه السلام لأن الولد من الممكن أنْ يُستبعَد فيه الدليل، لماذا؟ لأن دليله اتخاذُ الولد أو حُبُّ الولد، والإنسان يحب الولد ويسعى إليه، لماذا؟ قالوا: لأن الإنسان ابْنُ دنياه، وهو يعلم أنه ميت ميت، فيحبّ أن يكون له امتداد في الدنيا وذِكْر من بعده، فالإنسان يتمسّح في الدنيا حتى بعد موته، وهو لا يدري أن ذِكْر الإنسان لا يأتي بعده، بل ذِكْره يسبقه إلى الآخرة بالعمل الصالح. إذن: فحبُّ الولد هنا لاستدامة استبقاء الحياة، وهذا مُحَال في حَقِّ الله تبارك وتعالى لأنه الباقي الذي لا يزول. وقد يتخذ الولد ليكون عِزْوة لأبيه وسَنداً ومُعِيناً، وهذا دليل الضَّعْف، والحق سبحانه هو القويّ الذي لا يحتاج إلى معونة أحد. إذن: فاتخاذ الولد أمر منفيّ عنه تبارك وتعالى، فهو أمر لا يليق بمقام الألوهية، ويجب أنْ تُنزِّه الله تعالى أن يكون له ولد لذلك يقول تعالى بعدها: { سُبْحَانَهُ.. } [مريم: 35]. وسبحان تدل على التنزيه المطلق لله تعالى تنزيهاً له في ذاته، وفي صفاته، وفي أفعاله، فهو سبحانه ليس كمثله شيء، وإنْ وجدتَ صفة مشتركة بينك وبين الله كأنْ يكونَ لله تعالى وجه ويد، ولكَ وجه ويد، فإياك أنْ تنزل بالمستوى الأعلى فتقول: وجهه كوجهي، أو يده كيدي، لأن لك وجوداً ولله تعالى وجود، فهل وجودك كوجود الله؟ وجودك مسبوق بعدم ويلحقه العدم، ووجوده تعالى لم يُسبَق بعدم ولا يلحقه العدم، فعليك - إذن - أن تقول في مثل هذه المسائل:لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْبَصِيرُ } [الشورى: 11]. والمتتبع لمادة سَبَّح في القرآن الكريم يجد أنها جاءت بكل الصِّيَغ: الماضي:سَبَّحَ للَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ.. } [الحديد: 1]. والمضارع:يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ.. } [الجمعة: 1]. والأمر في:سَبِّحِ ٱسْمَ رَبِّكَ ٱلأَعْلَىٰ } [الأعلى: 1]. فما دام الكون كله سبَّح لله، ولم ينقطع عن تسبيحه، بل ما زال مُسبِّحاً، فلما خلق الخلق أمرهم بالتسبيح لأنهم جزء من منظومة الكون المسبّح، وعليهم أنْ ينتظموا معه، ولا يكونوا نشازاً في كون الله. أما المصدر سبحان فقد جاء ليدل على التنزيه المطلق لله تعالى، حتى قبل أن يخلق الخَلْق، التنزيه ثابت له تعالى قبل أنْ يخلق مَنْ يُنزِّهه كما في قوله تعالى:

السابقالتالي
2