الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِن دُونِهِمَا قَوْماً لاَّ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً }

السد: هو الحاجز بين شيئين، والحاجز قد يكون أمراً معنوياً، وقد يكون طبيعياً محسوساً كالجبال، فالمراد بالسدين هنا جبلان بينهما فجوة، وما دام قد قال: { بَيْنَ السَّدَّيْنِ } فالبَيْن هنا يقتضي وجود فجوة بين السدين يأتي منها العدو. { وَجَدَ مِن دُونِهِمَا.. } [الكهف: 93] أي: تحتهما { قَوْماً لاَّ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً } [الكهف: 93] أي: لا يعرفون الكلام، ولا يفقهون القول لأن الذي يقدر أن يفهم يقدر أن يتكلم، وهؤلاء لا يقولون كلاماً، ولا يفهمون ما يُقَال لهم، ومعنى: { لاَّ يَكَادُونَ.. } [الكهف: 93] لا يقربون من أن يفهموا، فلا ينفي عنهم الفَهْم، بل مجرد القُرْب من الفهم، وكأنه لا أملَ في أن يفهمهم. لكن، كيف نفى عنهم الكلام، ثم قال بعدها مباشرة:قَالُواْ يٰذَا ٱلْقَرْنَيْنِ.. } [الكهف: 94] فأثبت لهم القول؟ يبدو أنه خاطبهم بلغة الإشارة، واحتال على أن يجعلَ من حركاتهم كلاماً يفهمه وينفذ لهم ما يريدون، ولا شكَّ أن هذه العملية احتاجت منه جهداً وصبراً حتى يُفهمهم ويفهم منهم، وإلا فقد كان في وُسْعه أنْ ينصرف عنهم بحجة أنهم لا يتكلمون ولا يتفاهمون. فهو مثال للرجل المؤمن الحريص على عمل الخير، والذي لا يألو جَهْداً في نَفْع القوم وهدايتهم. والإشارة أصبحت الآن لغة مشهورة ومعروفة، ولها قواعد ودارسون يتفاهمون بها، كما نتفاهم نحن الآن مع الأخرس. ثم يقول الحق سبحانه: { قَالُواْ يٰذَا ٱلْقَرْنَيْنِ... }.