الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ وَيَوْمَ يَقُولُ نَادُواْ شُرَكَآئِيَ ٱلَّذِينَ زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُواْ لَهُمْ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُم مَّوْبِقاً }

يعني: واذْكر يا محمد، ولتذْكُرْ معك أمتك هذا اليوم: { وَيَوْمَ يَقُولُ نَادُواْ شُرَكَآئِيَ ٱلَّذِينَ زَعَمْتُمْ.. } [الكهف: 52] يقول الحق سبحانه للكفار: ادعوا شركائي الذين اتخذتموهم من دوني. وزعمتم: أي: كذبتم في ادعائكم أنهم آلهة { فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُواْ لَهُمْ.. } [الكهف: 52]. وهذا من سماجتهم وتبجُّحهم وسوء أدبهم مع الحق سبحانه، فكان عليهم أنْ يخجلوا من الله، ويعودوا إلى الحق، ويعترفوا بما كذَّبوه، لكنهم تمادَوْا { فَدَعَوْهُمْ.. } [الكهف: 52] ويجوز أن من الشركاء أناساً دون التكليف، وأناساً فوق التكليف، فمثلاً منهم مَنْ قالوا: عيسى. ومنهم مَنْ قالوا: العزير، وهذا باطل، وهل استجابوا لهم؟ ومنهم مَنِ اتخذوا آلهة أخرى، كالشمس والقمر والأصنام وغيرها، ومنهم مَنْ عبد ناساً مثلهم وأطاعوهم، وهؤلاء كانوا موجودين معهم، ويصح أنهم دَعَوْهم ونادوهم: تعالوا، جادلوا عنّا، وأخرجونا مما نحن فيه، لقد عبدناكم وكنا طَوْعَ أمركم، كما قال تعالى عنهم:مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى ٱللَّهِ زُلْفَىۤ.. } [الزمر: 3]. ولكن، أنَّى لهم ما يريدون؟ فقد تقطعتْ بينهم الصلات، وانقطعت حجتهم { فَلَمْ يَسْتَجِيبُواْ لَهُمْ.. } [الكهف: 52] ثم جعل الحق سبحانه بين الداعي والمدعو وادياً سحيقا: { وَجَعَلْنَا بَيْنَهُم مَّوْبِقاً.. } [الكهف: 52]. والمَوْبِق: المكان الذي يحصل فيه الهلاك، وهو وَادٍ من أودية جهنم يهلكون فيه جميعاً، أو: أن بين الداعي والمدعو مكاناً مُهْلِكاً، فلا الداعي يستطيع أنْ يلوذَ بالمدعو، ولا المدعو يستطيع أنْ ينتَصرَ للداعي ويُسعفه، لأن بينهم منبعَ هلاك. ومن ذلك قوله تعالى:إِن يَشَأْ يُسْكِنِ ٱلرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَىٰ ظَهْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ * أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِمَا كَسَبُوا وَيَعْفُ عَن كَثِيرٍ } [الشورى: 34] يعني: يهلكهن. ومن العجيب أن تكون هذه أولَ إطاعة منهم لله تعالى، فلما قال لهم: { نَادُواْ شُرَكَآئِيَ.. } [الكهف: 52] استجابوا لهذا الأمر، في حين أنهم لم يطيعوا الأوامر الأخرى. ثم يقول الحق سبحانه: { وَرَءَا ٱلْمُجْرِمُونَ ٱلنَّارَ فَظَنُّوۤاْ أَنَّهُمْ مُّوَاقِعُوهَا... }.