الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ لَّٰكِنَّاْ هُوَ ٱللَّهُ رَبِّي وَلاَ أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَداً }

قوله: { لَّٰكِنَّاْ.. } [الكهف: 38] أي: لكن أنا، فحذفت الهمزة وأُدغمت النون في النون. ولكن للاستدراك، المؤمن يستدرك على ما قاله صاحبه: أنا لستُ مثلك فيما تذهب إليه، فإنْ كنت قد كفرتَ بالذي خلقك من تراب، ثم من نطفة. ثم سوَّاك رجلاً، فأنا لم أكفر بمَنْ خلقني، فقَوْلي واعتقادي الذي أومن به: { هُوَ ٱللَّهُ رَبِّي.. } [الكهف: 38]. وتلاحظ أن الكافر لم يَقُلْ: الله ربي، إنما جاءتْ ربي على لسانه في معرض الحديث، والفرْق كبير بين القولين لأن الربّ هو الخالق المتولّي للتربية، وهذا أمر لا يشكّ فيه أحد، ولا اعتراض عليه، إنما الشكّ في الإله المعبود المطاع، فالربوبية عطاء، ولكن الألوهية تكليف لذلك اعترف الكافر بالربوبية، وأنكر الألوهية والتكليف. ثم يؤكد المؤمن إيمانه فيقول: { وَلاَ أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَداً } [الكهف: 38]. ولم يكتفِ المؤمن بأن أبانَ لصاحبه ما هو فيه من الكفر، بل أراد أنْ يُعدّي إيمانه إلى الغير، فهذه طبيعة المؤمن أنْ يكون حريصاً على هداية غيره، لذلك بعد أنْ أوضح إيمانه بالله تعالى أراد أن يُعلِّم صاحبه كيف يكون مؤمناً، ولا يكمُل إيمان المؤمن حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه، وأيضاً من العقل للمؤمن أن يحاول أن يهدي الكافر لأن المؤمن صُحح سلوكه بالنسبة للآخرين، ومن الخير للمؤمن أيضاً أن يُصحِّح سلوك الكافر بالإيمان. لذلك من الخير بدل أنْ تدعوَ على عدوك أن تدعو له بالهداية لأن دعاءك عليه سيُزيد من شقائك به، وها هو يدعو صاحبه، فيقول: { وَلَوْلاۤ إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَآءَ ٱللَّهُ لاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِٱللَّهِ... }.