الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ خَالِدِينَ فِيهَا لاَ يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلاً }

وخلود النعيم في الآخرة يُميّزه عن نعيم الدنيا مهما سَمَا، كما أن نعيم الدنيا يأتي على قَدْر تصوُّرنا في النعيم وعلى حَسْب قدراتنا، وحتى إنْ بلغنا القمة في التنعُّم في الدنيا فإننا على خَوْف دائم من زواله، فإما أنْ يتركك النعيم، وإما أن تتركه، وأما في الجنة فالنعمة خالدة لا مقطوعة ولا ممنوعة، وأنت مُخلّد فيها فلن تتركك النعمة ولن تتركها. لذلك يقول تعالى بعدها: { لاَ يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلاً } [الكهف: 108] أي: لا يطلبون تحوُّلهم عنها إلى غيرها، لأنه لا يُتصوَّر في النعيم أعلى من ذلك. ومعلوم أن الإنسان لديه طموحات ترفيهية، فكلما نال خيراً تطلع إلى أعلى منه، وكلما حاز متعةً ابتغى أكثر منها، هذا في الدنيا أما في الآخرة فالأمر مختلف، وإلا فكيف يطلب نعيماً أعلى من الجنة الذي قال الله عنه:كُلَّمَا رُزِقُواْ مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رِّزْقاً قَالُواْ هَـٰذَا ٱلَّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ وَأُتُواْ بِهِ مُتَشَابِهاً.. } [البقرة: 25]. أي: كلما رزقهم الله ثمرةً أتتْهم أخرى فقالوا: لقد رُزِقْنا مثلها من قبل، وظنّوها كسابقتها، لكنها ليست كسابقتها بل بطعم جديد مختلف، وإنْ كانت نفس الثمرة، ذلك لأن قدرة الأسباب محدودة، أما قدرة المسبِّب فليست محدودة. والحق سبحانه وتعالى قادر على أن يُخرِج لك الفاكهة الواحدة على ألف لَوْن وألف طَعْم لأن كمالاته تعالى لا تتناهى في قدرتها لذلك يقول تعالى:وَأُتُواْ بِهِ مُتَشَابِهاً.. } [البقرة: 25] فالثمر واحد متشابه، أمَّا الطعم فمختلف. والإنسان مِنّا لِيشقَّ طريقه في الحياة يظل يتعلّم، ليأخذ شهادة مثلاً أو يتعلم مهنة، ويظل في تعب ومشقة ما يقرب من خمسة وعشرين عاماً من عمره أملاً في أن يعيش باقي حياته المظنونة مرتاحاً هانئاً، وَهْب أنك ستعيش باقي حياتك في راحة، فكم سيكون الباقي منها؟ أما الراحة الأبدية في الآخرة فهي زمن لا نهايةَ له، ونعيم خالد لا ينتهي، ففي أيِّ شيء يطمع الإنسان بعد هذا كله؟ وإلى أيِّ شيء يطمح؟ لذلك قال تعالى بعدها: { قُل لَّوْ كَانَ ٱلْبَحْرُ... }.