الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّ ٱللَّهَ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ قَادِرٌ عَلَىٰ أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلاً لاَّ رَيْبَ فِيهِ فَأَبَىٰ ٱلظَّالِمُونَ إِلاَّ كُفُوراً }

قوله تعالى: { أَوَلَمْ يَرَوْاْ.. } [الإسراء: 99]. إذا جاءت همزة الاستفهام بعدها واو العطف وبعدها نفي، فاعلم أن الهمزة دخلتْ على شيء محذوف، إذن: فتقدير الكلام هنا: أيقولون ذلك ويستبعدون البعث ولم يَرَوْا أن الله الذي خلق السماوات والأرض قادر على أنْ يخلق مثلهم. وقوله تعالى: { مِثْلَهُمْ } أي: يخلقهم هم ويُعيدهم من جديد لأن الخَلْق إنشاء جديد، فهُمْ خَلْق جديد مُعَادٌ، فالمثلية هنا في أنهم مُعَادون، أو يكون المراد { مِثْلَهُمْ } أي: ليسوا هم، بل خَلْق مختلف عنهم على اعتبار أنهم كانوا في الدنيا مختارين، ولهم إرادات، أما الخلق الجديد في الآخرة وإنْ كان مثلهم في التكوين إلا أنه عاد مقهوراً على كل شيء لا إرادةَ له لأنه الآن في الآخرة التي سينادي فيها الخالق سبحانه:لِّمَنِ ٱلْمُلْكُ ٱلْيَوْمَ لِلَّهِ ٱلْوَاحِدِ ٱلْقَهَّارِ } [غافر: 16]. وقوله تعالى: { وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلاً لاَّ رَيْبَ فِيهِ فَأَبَىٰ ٱلظَّالِمُونَ إِلاَّ كُفُوراً } [الإسراء: 99]. أي: أن القيامة التي كذَّبوا بها وأنكروها واقعة لا شكّ فيها، لكن هؤلاء معاندون مُصِرُّون على الكفر مهما أتيتَ لهم بالأدلة، ومهما ضربتَ لهم الأمثلة، فإنهم مُصمِّمون على الإنكار لأن الإيمان سيسلبهم ما هم فيه من السيادة وما يدعونه من العظمة، الإيمان سيُسوّي بينهم وبين العبيد، وسيُقيّد حريتهم فيما كانوا فيه من ضلال وفساد. لكن هؤلاء السادة والعظماء الذين تأبَّوْا على الإيمان، وأنكروا البعث خوفاً على مكانتهم وسيادتهم وما عندهم من سلطة زمنية، ألم تتعرَّضوا لظلم من أحد في الدنيا؟ ألم يعتَدِ عليكم أحد؟ ألم يسرق منكم أحد ولم تتمكنوا من الإمساك به ومعاقبته؟ لقد كان أَوْلَى بكم الإيمان بالآخرة حيث تتحقق عدالة العقاب وتنالون حقوقكم مِمَّنْ ظلمكم، أو اعتدى عليكم. ثم ينتقل السياق القرآني إلى موضوع جديد، حيث يقول تعالى: { قُل لَّوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَآئِنَ رَحْمَةِ رَبِّي... }.