الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ أَقِمِ ٱلصَّلاَةَ لِدُلُوكِ ٱلشَّمْسِ إِلَىٰ غَسَقِ ٱلَّيلِ وَقُرْآنَ ٱلْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ ٱلْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً }

فالصلاة هي الفريضة الثابتة المتكررة التي لا تسقط عن المسلم بأي حال، وفيها إعلانُ ولاء للإيمان بالله كل يوم خمس مرات، وهي أيضاً تنتظم كل أركان الإسلام لأنك في الصلاة تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فبدل أنْ كنتَ تقولها مرة واحدة ها أنت تقولها عدة مرات في كل صلاة، وهذا هو الركن الأول. كما أنها تشتمل على الصوم لأنك تصوم في أثناء الصلاة فتمتنع عن شهوتَيْ البطن والفرج، وكذلك عن أيِّ فعل غير أفعال الصلاة، وعن الكلام في غير ألفاظ الصلاة. إذن: في الصلاة صيام بالمعنى الأوسع للصوم. وفي الصلاة زكاة لأن المال الذي تكتسبه وتُزكِّيه ناتج عن الحركة، والحركة فرع الوقت، وفي الصلاة تُضحّي بالوقت نفسه، فكأن الزكاة في الصلاة أبلغ. وكذلك في الصلاة حج لأنك تتوجّه فيها إلى كعبة الله، وتستحضرها في ذِهْنك وأمام ناظريْكَ. لذلك استحقت الصلاة أن تكون عماد الدين، مَنْ أقامها فقد أقام الدين، ومَنْ هدمها فقد هدم الدين، ومن هنا جاءت الصلاة في أول هذه الأحكام، فقال تعالى: { أَقِمِ ٱلصَّلاَةَ.. } [الإسراء: 78] أي: أدِّها أداءً كاملاً في أوقاتها. والصلاة لها مَيْزة عن كل أركان الإسلام لأن كل تكليفات الإسلام جاءت بواسطة الوحي لرسول الله إلا الصلاة، فقد فُرِضَتْ بالمباشرة مما يدلُّ على أهميتها، وقد مثَّلنَا لذلك - ولله المثل الأعلى - بالرئيس الذي يتصل بمرؤوسه تليفونياً ليأمره بشيء، فإذا كان هذا الشيء من الأهمية بمكان استدعاه إليه وأفهمه ما يريد. وهكذا كانت الصلاة، فقد فُرِضَتْ على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى أمته بالمباشرة لما لها من أهمية بين فراض الدين، ثم تولى جبريل عليه السلام تعليم رسول الله الصلاة، وعَلَّمها رسول الله للناس، وقال: " صَلُّوا كما رأيتموني أُصلِّي ". وقوله تعالى: { لِدُلُوكِ ٱلشَّمْسِ.. } [الإسراء: 78]. الحق سبحانه يريد أن يُبيِّن لنا مواقيت الصلاة. والدلوك معناه: الزوال من حركة إلى حركة، ومنها قولنا: فلان المدلكاتي أي: الذي يتولّى عملية التدليك، وتتحرك يده من مكان لمكان. والمراد بدلوك الشمس: مَيْلها عن وسط السماء إلى ناحية الغرب، والإنسان يرى الأفق الواسع إذا نظر إلى السماء، فيراها على شكل قوس ممتدّ وعلى حَسْب نظره وقوته يرى الأفق، فإنْ كان نظره قوياً رأى الأُفُقْ واسعاً، وإنْ كان نظره ضعيفاً رأى الأفق ضيّقاً لذلك يقولون لقليل التفكير: ضيِّق الأفق. وأنت حين تقف في مكانك وتنظر إلى السماء تراها على شكل نصف دائرة، وأنت مركزها، وساعةَ أنْ ترى الشمس عمودية عليك، فهذا وقت الزوال، فإذا ما انحرفتْ الشمس ناحية المغرب يُقَال: دلكت الشمس. أي: مالت ناحية المغرب، وهذا هو وقت الظهر.

السابقالتالي
2