الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلاَ تَقْتُلُواْ ٱلنَّفْسَ ٱلَّتِي حَرَّمَ ٱللَّهُ إِلاَّ بِٱلحَقِّ وَمَن قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً فَلاَ يُسْرِف فِّي ٱلْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُوراً }

قوله تعالى: { وَلاَ تَقْتُلُواْ ٱلنَّفْسَ.. } [الإسراء: 33]. كان القياس أنْ يُقابل الجمع بالجمع، فيقول: لا تقتلوا النفوس التي حرَّم الله، لكن الحق سبحانه وتعالى يريد أن قَتْل النفس الواحدة مسئوليةُ الجميع، لا أنْ يسأل القاتل عن النفس التي قتلها، بل المجتمع كله مسئول عن هذه الجريمة. { ٱلَّتِي حَرَّمَ ٱللَّهُ.. } [الإسراء: 33] أي: جعلها محرّمة لا يجوز التعدي عليها لأنها بنيان الله وخلْقته وصناعته، وبنيان الله لا يهدمه أحد غيره. أو نقول: { ٱلنَّفْسَ ٱلَّتِي حَرَّمَ ٱللَّهُ.. } [الإسراء: 33] أي: حرَّم الله قتلها. { إِلاَّ بِٱلحَقِّ.. } [الإسراء: 33] هذا استثناء من الحكم السابق الذي قال: لا تقتلوا النفس التي حرم الله { إِلاَّ بِٱلحَقِّ } أي: ولكن اقتلوها بالحق، والحق هنا المراد به ثلاثة أشياء: - القصَاص من القاتل. - الردَّة عن الإسلام. - زِنَا المحصَن أو المحصَنة. وهذه أسباب ثلاثة تُوجِب قَتْل الإنسان، والقتْل هنا يكون بالحق أي: بسبب يستوجب القتل. وقد أثار أعداء الإسلام ضَجَّة كبيرة حول هذه الحدود وغيرها، واتهموا الإسلام بالقسوة والوحشية، وحُجَّتهم أن هذه الحدود تتنافى وإنسانية الإنسان وآدميته، وتتعارض مع الحرية الدينية التي يقول بها الإسلام في قوله تعالى:لاَ إِكْرَاهَ فِي ٱلدِّينِ.. } [البقرة: 256]. ففي القصاص قالوا: لقد خَسِر المجتمع واحداً بالقتل، فكيف نُزِيد من خسارته بقتْل الآخر؟ نقول: لا بُدَّ أن نستقبلَ أحكام الله بفْهمٍ وَاع ونظرة متأمّلة، فليس الهدف من تشريع الله للقصاص كثرة القتل، إنما الهدف ألاّ يقع القتل، وألاَّ تحدثَ هذه الجريمة من البداية. فحين يُخبرك الحق سبحانه أنك إنْ قتلتَ فسوف تُقتَلُ، فهو يحمي حياتك وحياة الآخرين. وليس لدى الإنسان أغلى من حياته، حتى القاتل لم يقتل إلا لأنه يحب الحياة، وقتل من أجلها مَنْ قتل لأنه ربما خدش عِزَّته أو كرامته، وربما لأنه عدو له أقوى منه. ولا شكَّ أن حياته أغلى من هذا كله، فحين نقول له: إنْ قتلتَ ستُقتل، فنحن نمنعه أنْ يُقدِم على هذه الجريمة، ونُلوّح له بأقسى ما يمكن من العقوبة. ولذلك قالوا: القتْلُ أنْفَى للقتل. وقال تعالى:وَلَكُمْ فِي ٱلْقِصَاصِ حَيَاةٌ يٰأُولِي ٱلأَلْبَابِ.. } [البقرة: 179]. وهذا نداء لأصحاب الأفهام والعقول الواعية، ليس القصاص كما يظنُّ البعض، بل فيه الحياة وفيه سلامة المجتمع وحَقْن الدماء. ويجب أن يكون عندنا يقظةُ استقبال لأحكام الله لأن القاتل ما قتل إلا حينما غفل عن الحكم، ويجب أيضاً أن ننظر إلى حكم القصاص نظرة موضوعية، لأنه كما حَمى غيري من قَتْلِي له حماني أيضاً من قَتْل غيري لي، وما دامت المسألة: لك مثل ما عليك، وحظك منها كحظِّ الناس جميعاً، فلماذا الاعتراض؟ وكذلك في السرقة، حينما يقول لك: لا تسرق، فأنت ترى أن هذا الأمر قد قيَّد حريتك أنت، لكن الحقيقة أنه أيضاً قيَّد حرية الآخرين بالنسبة للسرقة منك.

السابقالتالي
2 3 4