الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ وَجَعَلْنَا ٱلَّيلَ وَٱلنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَآ آيَةَ ٱلَّيلِ وَجَعَلْنَآ آيَةَ ٱلنَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُواْ عَدَدَ ٱلسِّنِينَ وَٱلْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلاً }

الحق سبحانه وتعالى جعل الزمن ليلاً ونهاراً ظرفاً للأحداث، وجعل لكل منهما مهمة لا تتأتّى مع الآخر، فهما متقابلان لا متضادان، فليس الليل ضد النهار أو النهار ضد الليل لأن لكل منهما مهمة، والتقابل يجعلهما متكاملين. ولذلك أراد الله تعالى أن يُنظِّر بالليل والنهار في جنس الإنسان من الذكورة والأنوثة، فهما أيضاً متكاملان لا متضادان، حتى لا تقوم عداوة بين ذكورة وأنوثة، كما نرى البعض من الجنسين يتعصَّب لجنسه تعصبُّاً أعمى خالياً من فَهْم طبيعة العلاقة بين الذكر والأنثى. فالليل والنهار كجنس واحد لهما مهمة، أما من حيث النوع فلكل منهما مهمة خاصة به، وإياك أن تخلط بين هذه وهذه. وتأمل قول الحق سبحانه:وَٱلْلَّيْلِ إِذَا يَغْشَىٰ * وَٱلنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّىٰ * وَمَا خَلَقَ ٱلذَّكَرَ وَٱلأُنثَىٰ * إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّىٰ } [الليل: 1-4]. فلا تجعل الليل ضِداً للنهار، ولا النهار ضِداً لليل، وكذلك لا تجعل الذكورة ضِداً للأنوثة، ولا الأنوثة ضداً للذكورة. قوله تعالى: { وَجَعَلْنَا ٱلَّيلَ وَٱلنَّهَارَ آيَتَيْنِ.. } [الإسراء: 12]. جعلنا: بمعنى خلقنا، والليل والنهار هما المعروفان لنا بالمعايشة والمشاهدة، ومعرفتنا هذه أوضح من أنْ نعرِّفهما، فنقول مثلاً: الليل هو مَغِيب الشمس عن نصف الكرة الأرضية، والنهار هو شروق الشمس على نصف الكرة الأرضية. إذن: قد يكون الشيء أوضح من تعريفه. والحق سبحانه خلق لنا الليل والنهار، وجعل لكل منهما حكمة ومهمة، وحينما يتحدّث عنهما، يقول تعالى:وَٱلضُّحَىٰ * وَٱللَّيْلِ إِذَا سَجَىٰ } [الضحى: 1-2] فبدأ بالضحى. ويقول:وَٱلْلَّيْلِ إِذَا يَغْشَىٰ * وَٱلنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّىٰ } [الليل: 1-2] فبدأ بالليل. ومرة يتحدث عن اللازم لهما، فيقول:وَجَعَلَ ٱلظُّلُمَاتِ وَٱلنُّورَ } [الأنعام: 1]. لأن الحكمة من الليل تكمن في ظُلْمته، والحكمة من النهار تكمُن في نوره، فالظُّلْمة سكَنٌ واستقرار وراحة. وفي الليل تهدأ الأعصاب من الأشعة والضوء، ويأخذ البدن راحته لذلك قال صلى الله عليه وسلم: " أطفئوا المصابيح إذا رقدتم ". في حين نرى الكثيرين يظنون أن الأضواء المبهرة - التي نراها الآن - مظهر حضاري، وهم غافلون عن الحكمة من الليل، وهي ظلمته. والنور للحركة والعمل والسَّعْي، فمَن ارتاح في الليل يُصبح نشيطاً للعمل، ولا يعمل الإنسان إلا إذا أخذ طاقة جديدة، وارتاحت أعضاؤه، ساعتها تستطيع أن تطلب منه أن يعمل. لذلك قال الحق سبحانه:وَمِن رَّحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ ٱلَّيلَ وَٱلنَّهَارَ.. } [القصص: 73]. لماذا؟لِتَسْكُنُواْ فِيهِ.. } [القصص: 73] أي: في الليل.وَلِتَبتَغُواْ مِن فَضْلِهِ.. } [القصص: 73] أي: في النهار. إذن: لليل مهمة، وللنهار مهمة، وإياك أنْ تخلط هذه بهذه، وإذا ما وُجد عمل لا يُؤدَّى إلا بالليل كالحراسة مثلاً، نجد الحق سبحانه يفتح لنا باباً لنخرج من هذه القاعدة العامة. فيقول تعالى:وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُم بِٱلَّيلِ وَٱلنَّهَارِ.. }

السابقالتالي
2 3 4 5