الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلِ ٱدْعُواْ ٱللَّهَ أَوِ ٱدْعُواْ ٱلرَّحْمَـٰنَ أَيّاً مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ ٱلأَسْمَآءَ ٱلْحُسْنَىٰ وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا وَٱبْتَغِ بَيْنَ ذٰلِكَ سَبِيلاً }

{ ٱدْعُواْ } اذكروا، أو نادوا، أو اطلبوا { ٱللَّهَ } عَلَم على واجب الوجود سبحانه، ومعنى: عَلَم على واجب الوجود أنها إذا أُطْلِقَتْ انصرفتْ للذات الواجبة الوجود وهو الحق سبحانه، كما نُسمِّي شخصاً، فإذا أُطْلِق الاسم ينصرف إلى المسمَّى. والأسماء عندنا أنواع كثيرة: إما اسم، أو كُنْية، أو لَقَب. الاسم: وهو أغلب الأعلام، ويُطلَق على المولود بعد ولادته ويُعرَف المولود به. والكُنْية: وتُطلَق على الإنسان، وتُسبَق بأب أو أم أو ابن أو بنت، كما نقول: أبو بكر، وأم المؤمنين. واللقب: وصف يُشْعِر بالمدح أو الذم، كما نقول: الصِّديق، الشاعر، الفاروق. فإذا كان الاسم معه شريك غيره لا بُدَّ لتمييزه من وَصْفه وَصْفاً يُعْرف به، كما يحدث أن يألف شخص أن يسمي أولاده جميعاً: محمد فالتسمية في هذه الحالة لا تُشخِّص ولا تُعيِّن المسمّي لذلك لا بُدَّ أن نصف كل واحد منهم بصفة فنقول: محمد الكبير، محمد الصغير. محمد المهندس. فإذا أُطلِق الاسم بصفته ينصرف إلى شخص معين. وإذا كُنّا نحن نُسمِّي أولادنا: فإن الحق سبحانه سَمَّى نفسه بأسمائه التي قال عنها: الأسماء الحُسْنى، وكلمة حُسْنى أفعل تفضيل للمؤنث، مثل: كبرى. والمذكر منها أحسن. لكن لماذا وَصَف أسماءه تعالى بالحسنى؟ الاسم يُبيِّن المسمّى، لكن الأسماء عند البشر قد لا تنطبق على المسمَّى الذي أُطلِقت عليه، فقد نُسمِّي شخصاً " سعيد " وهو شقي، أو نسمي شخصاً " ذكي " وهو غبي. وهذا ليس بحَسنٍ في الأسماء، الحسَن في الاسم أنْ يطابق الاسم المسمَّى، ويتوفّر في الشخص الصفة التي أُطلِقت عليه، فيكون الشخص الذي سميناه " سعيد " سعيداً فعلاً. وهكذا يكون الاسم حسناً، لكنه لا يأخذ الحُسْن الأعلى لأن الحُسن الأعلى لأسماء الله التي سَمّى بها نفسه، فله الكمال المطلق. فهذه - إذن - لا تتأتَّى في تسمية البشر، فكثيراً ما تجد " عادل " وهو ظالم، و " شريف " وليس بشريف لذلك قلنا:
وَأَقْبَحُ الظُّلْمَ بَعْد الشِّرْكِ منزلةً   أنْ يظلم اسمٌ مُسمّى ضِدّه جُعلاَ
فَشَارِع كعِمَادِ الدين تَسْمِيةً   لكِنْه لِعِنَادِ الدِّينِ قَدْ جُعِلاَ
فالاسم قد يظلم المسمَّى كما حدث أنْ سَمَّوْا الشارع عماد الدين، وهذا الشارع كان في الماضي بُؤْرَة للفِسْق والفجور، وما أبعده سابقاً عن هذه التسمية. فلفظ الجلالة الله عَلَم على واجب الوجود، وبعد ذلك جاءت صفات غلبت عليه، بحيث إذا أُطلِقَتْ لا تنصرف إلا إليه. فإذا قُلْنا: العزيز على إطلاقه فإنها لا تنصرف إلا لله تعالى، لكن يمكن أن نقول فلان العزيز في قومه، فلان الرحيم بمَنْ معه، فلان النافع لمَنْ يتصل به، إنما لو قُلْت: النافع على إطلاقه فهو الله سبحانه وتعالى. لذلك حَلَّتْ الصفات محلَّ اسم الذات { ٱللَّهَ } لأنها إذا أُطْلِقَتْ لا تنصرف إلا لله تعالى، فأسماءُ الله الحُسْنى هي في الأصل صفات له سبحانه.

السابقالتالي
2 3 4 5 6