الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ آمِنُواْ بِهِ أَوْ لاَ تُؤْمِنُوۤاْ إِنَّ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّداً }

قوله تعالى: { قُلْ آمِنُواْ بِهِ أَوْ لاَ تُؤْمِنُوۤاْ.. } [الإسراء: 107] آمِنوا: أمر، ولا تؤمنوا: نَهْي. والأمر والنهي نوعان من الطلب، والطلب أن تطلب من الأدنى أن يفعل، والنهي أنْ تطلبَ من الأدنى ألاَّ يفعل، فإنْ كان الطلب من مُساو لك فهو التماس، وإنْ كان إلى أعلى منك فهو دعاء. لذلك حينما نقول للطالب أعرب: رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ يقول: اغفر فعل أمر، نقول له: أنت سطحيّ العبارة لأن الأمر هنا من الأدنى للأعلى، من العبد لربه تبارك وتعالى، فلا يقال: أمر، إنما يقال: دعاء. والطاعة أن تمتثل الأمر والنهي، فهل نقول في قوله تعالى: { قُلْ آمِنُواْ بِهِ أَوْ لاَ تُؤْمِنُوۤاْ.. } [الإسراء: 107] أنها للتخيير، فإنْ آمنوا فقد أطاعوا، وكذلك إنْ لم يؤمنوا فقد أطاعوا أيضاً؟ نقول: الأمر والنهي هنا لا يُراد منه الطلب، بل يراد به التهديد أو التسوية كما تقول لابنك حين تلاحظ عليه الإهمال: ذاكر أو لا تذاكر، أنت حر لا شكَّ أنك لا تقصد النهي عن المذاكرة، بل تقصد تهديده وحثّه على المذاكرة. فقوله: { قُلْ آمِنُواْ بِهِ أَوْ لاَ تُؤْمِنُوۤاْ.. } [الإسراء: 107] للتسوية، كما قال:فَمَن شَآءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَآءَ فَلْيَكْفُرْ.. } [الكهف: 29]. فهذا ليس أمراً بحيث أن الذي يفعل الأمر أو النهي يكون طائعاً، بل المراد هنا التهديد أو التسوية، فسواء آمنوا أو كفروا لأن الحق سبحانه جعل في ذلك عزاءً لرسوله صلى الله عليه وسلم في إيمان أهل الكتاب. { إِنَّ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ.. } [الإسراء: 107] أي: اليهود والنصارى الذين ارتاضوا بالكتب السماوية، واستمعوا للتوراة والإنجيل، ونقلوها إلى غيرهم من المعاصرين للقرآن فهؤلاء شاهدون بأن الرسول حَقٌّ بما عندهم من بشارة به في التوراة والإنجيل لذلك يتركون دينهم ويسارعون إلى الإسلام لأنهم يعلمون عِلْم اليقين أنه الدين الحق. ومن هؤلاء عبد الله بن سلام، وكان من علماء اليهود، وكان يعلم أوصاف رسول الله وزمن بَعْثته لذلك قال: لقد عرفته حين رأيته كمعرفتي لابني، ومعرفتي لمحمد أشدّ. ولما اختمر الإسلام في نفسه ذهب إلى رسول الله وصارحه بما نوى من اعتناق الإسلام، وقال: " يا رسول الله إن اليهود قوم بُهْتٌ فإن أعلنتُ إسلامي الآن قالوا فيَّ ما ليس فيَّ، فاسألهم عني وأنا ما زلت على دينهم، وانظر ما يقولون، فسألهم رسول الله: ما تقولون في ابن سلام؟ فقالوا: حَبْرنا وابن حَبْرنا، ووصفوه بخير الصفات، وأطيب الخصال، فقال عبد الله: يا رسول الله، أما وقد قالوا فيَّ ما قالوا فأشهد ألا إله إلا الله وأنك رسول الله، فإذا بهم يذمونه ويتهمونه بأخسِّ الخصال، فقال: يا رسول الله ألم أَقُلْ لك إنهم قوم بُهْتٌ ".

السابقالتالي
2