الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ ٱلْسَّمْعَ وَٱلأَبْصَارَ وَٱلأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }

مِنْ بُطُونِ أُمهَاتِكُم المراد الأرحام لأنها في البطون، والمظروف في مظروف يعتبر مظروفاً، كما لو قلت: في جيبي كذا من النقود أو في حافظتي كذا من النقود.. العبارتان معناهما واحد. وأمهاتكم: جمع أم، والقياس يقتضي أن نقول في جمع أُم: أُمَّات ولكنه قال: { وَٱللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ } [النحل: 78]. بزيادة الهاء. وساعةَ يكون الجنين في بطن أمه تكون حياته حياة تبعية، فكل أجهزته تابعة لأمه.. فإذا شاء الله أن يولد جعل له حياة ذاتية مستقلة.. وعند الولادة نرى أطباء التوليد يقولون: الجنين في الوضع الطبيعي أو في غير الوضع الطبيعي.. فما معنى الوضع الطبيعي للجنين عند الولادة؟ الوضع الطبيعي أن يكون رأس الجنين عند الولادة إلى أسفل، هذا هو الوضع الطبيعي لأن الحق سبحانه أراد أن يُخرجه خَلْقاً آخر:ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ.. } [المؤمنون: 14]. كأنه كان خلقاً لكنه كان تابعاً لأمه فيُخرجه الله خَلْقاً آخر مُسْتقلاً بذاته.. فتكون الرأس إلى أسفل، وهي أول ما ينزل من المولود، وبمجرد نزوله تبدأ عملية التنفس. ومن هذه اللحظة ينفصل الجنين عن أمه، وبالتنفس تكون له ذاتية، فإذا ما تعسَّر خروج باقي جسمه فتكون له فرصة التنفس وهذا من لُطْف الله سبحانه لأن الجنين في هذه الحالة لا يختنق أثناء معالجة باقي جسمه. أما إذا حدث العكس فكان الرأس إلى أعلى، ونزل الجنين بقدميْه، فبمجرد نزول الرِّجْليْن ينفصل عن أمه، ويحتاج إلى حياة ذاتية ويحتاج إلى تنفس، فإذا ما تعسَّرت الولادة حدث اختناق، ربما يؤدي إلى موت الجنين. العلم أَخْذ قضية من قضايا الكون مجزوم بها وعليها دليل وقوله تعالى: { لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئاً.. } [النحل: 78]. ذلك لأن وسائل العلم والإدراك لم تعمل بَعْد، فإذا أراد الله له أنْ يعلم يخلق له وسائل العلم، وهي الحواس الخمس: السمع والبصر والشَّم واللمس والتذوّق، هذه هي الحواس الظاهرة التي بها يكتسب الإنسان العلوم والمعارف، وبها يُدرِك ما حوله. وإنْ كان العلم الحديث قد أظهر لنا بعض الحواسّ الأخرى، ففي علم وظائف الأعضاء يقولون: إنك إذا حملتَ قطعتين من الحديد مثلاً فبأيّ حاسة تُميّز بينهما من حيث الثقل؟ هذه لا تُعرف باللمس أو السمع أو البصر أو التذوّق أو الشّم.. إذن: هناك حاسة جديدة تُميّز الثقَل هي حاسة العضَل. وكذلك تُوجَد حاسة البَيْن، التي تتمكن بها من معرفة سُمْك القماش مثلا وأنت في محل الأقمشة، حيث تفركُ القماش بين أصابعك، وتستطيع أن تُميّز بين الرقيق والسَّميك. فالطفل المولود إذن لا يعلم شيئاً، فهذا أمر طبيعي لأن وسائل العلم والإدراك لديه لم تُؤدِّ مهمتها بَعْد.

السابقالتالي
2 3