الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِّنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُم مِّنَ ٱلطَّيِّبَاتِ أَفَبِٱلْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ ٱللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ }

الحق سبحانه في الآية السابقة قنَّن لنا قضية القمة - قضية العقيدة - في أننا لا نعطي شيئاً جعله الله لنفسه سبحانه من العبودية والألوهية والطاعة وغيرها، لا نعطيها لغيره سبحانه.. وإذا صَحَّتْ هذه القضية العَقدية صَحَّتْ كل قضايا الكون. ثم بيَّن سبحانه أنه خلقنا من واحد، ثم خلق من الواحد زوجة له، ليتم التناسل والتكاثر.. إذ إن استمرارَ بقائكم خاضعٌ لأمرين: الأمر الأول: استبقاء الحياة، وقد ضمنه سبحانه بما أنعم به علينا من الأرزاق، فنأكل ونشرب فنستبقي الحياة، فبعد أنْ تحدّث عن استبقاء الحياة بالرزق في الآية السابقة ذكر: الأمر الثاني: وهو استبقاء الحياة ببقاء النوع، فقال سبحانه: { وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِّنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً.. } [النحل: 72]. والأزواج: جمع زوج، والزوج لا يعني الرجل فقط، بل يعني الرجل والمرأة لأن كلمة زوج تُطلَق على واحد له نظير من مثله، فكلُّ واحد منهما زَوْج.. الرجل زوج، والمرأة زوج، فتُطلق - إذن - على مُفْرد، لكن له نظير من مثله. و { مِّنْ أَنْفُسِكُمْ.. } [النحل: 72]. أي: من نَفْس واحدة، كما قال في آية أخرى:خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا.. } [الزمر: 6]. يعني: أخذ قطعة من الزوج، وخلق منها الزوجة، كما خلق سبحانه حواء من آدم - عليهما السلام. أو:وَخَلَقَ مِنْهَا.. } [النساء: 1]. أي: من جنسها، كما قال تعالى:لَقَدْ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ.. } [التوبة: 128]. أي: من جنسكم. فالمسألة تحتمل المعنيين.. مَن اتسع ظنُّه إلى أن الله خلق حواء من ضِلع آدم أي: منه، من بعضه فلا مانع، ومَنْ قال: خلق الله حواء كما خلق آدم خَلْقاً مستقلاً، ثم زَاوَج بينهما بالزواج فلا مانع.. فالأول على معنى البَعْضية، والثاني على معنى من جنسكم. قلنا: إن الجمع إذا قابل الجمع اقتضت القسمةُ آحاداً.. كما لو قال المعلم لتلاميذه: أخرِجوا كتبكم، فهو يخاطب التلاميذ وهم جَمْع. وكتبهم جمع، فهل سيُخرِج كل تلميذ كُتب الآخرين؟!.. لا.. بل كل منهم سيُخرج كتابه هو فقط.. إذن: القسمة هنا تقتضي آحاداً.. وكذلك المعنى في قوله تعالى:خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً.. } [الروم: 21]. أي: خلق لكل منكم زَوْجاً. ولكي نتأكد من هذه الحقيقة، وأن الخَلْق بدأ بآدم عليه السلام - نردُّ الأشياء إلى الماضي، وسوف نجد أن كُلَّ متكاثر في المستقبل يتناقص في الماضي.. فمثلاً سُكّان العالم اليوم أكثر من العام الماضي.. وهكذا تتناقص الأعداد كلما أوغلنا في الماضي، إلى أن نصلَ إلى إنسان واحد هو آدم عليه السلام - ومعه زوجه حواء، لأن أقلَّ التكاثر من اثنين.

السابقالتالي
2 3 4