الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ تَٱللَّهِ لَقَدْ أَرْسَلْنَآ إِلَىٰ أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ ٱلشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَهُوَ وَلِيُّهُمُ ٱلْيَوْمَ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }

نعلم أن الحق سبحانه وتعالى يُقسِم بما يشاء على ما يشاء، أما نحن فلا نقسم إلا بالله، وفي الحديث الشريف: " مَنْ كان حالفاً، فليحلف بالله أو ليصمت ". والحق تبارك وتعالى هنا يحلف بذاته سبحانه { تَٱللَّهِ } ، مثل: والله وبالله. وقد جاء القسم لتأكيد المعنى ولذلك يقول أحد الصالحين: من أغضب الكريم حتى ألجأه أن يقسم؟! وقد يؤكد الحق سبحانه القسم بذاته، أو القسم ببعض خَلْقه، وقد ينفي القسم وهو يُقسِم، كما في قوله تعالى:لاَ أُقْسِمُ بِهَـٰذَا ٱلْبَلَدِ } [البلد: 1]. وقوله:فَلاَ أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ ٱلنُّجُومِ * وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ } [الواقعة: 75-76]. ومعنى: لا أقسم أن هذا الأمر واضح جَليّ وضوحاً لا يحتاج إلى القسم، ولو كنت مُقسِماً لأقسمتُ به، بدليل قوله:وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ } [الواقعة: 76]. إذن: الحق سبحانه يُقسِم بذاته ليؤكد لنا الأمر تأكيداً، وتأكيد الأمر عند الحكم في القضاء مَثلاً: إما بالإقرار، وإما باليمين.. فإذا ما أقسمت له وحلفتَ فقد سددْتَ عليه منافذ التكذيب. والحق سبحانه يقول: { لَقَدْ أَرْسَلْنَآ إِلَىٰ أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ.. } [النحل: 63]. أي: لسْتَ بِدْعاً في أنْ تُكذَّب من قومك، فهذه طبيعة الذين يستقبلون الدعوة من الله على ألسنة الرسل لأن الرسل لا يرسلهم الله إلا حينما يطمّ الفساد ويعُم. ومعنى إرسال الرسل - إذن - أنه لا حَلَّ إلا أنْ تتدخلَ السماء ذلك لأن الإنسان فيه مناعات يقينية في ذاته، وهي نفسه اللوامة التي تلومه إذا أخطأ وتُعدِّل من سلوكه، فهي رادع له من نفسه. فإذا ما تبلَّدتْ هذه النفس، وتعوَّدتْ على الخطأ قام المجتمع من حولها بهذه المهمة، فمَنْ لا تُردِعه نفسه اللوامة يُردعه المجتمع من حوله.. فإذا ما فسدَ المجتمع أيضاً، فماذا يكون الحل؟ الحل أن تتدخل السماء لإنقاذ هؤلاء. إذن: تتدخل السماء بإرسال الرسل حينما يعُمّ الفسادُ المجتمعَ كله ولذلك فأمة محمد صلى الله عليه وسلم من شرفها عند ربها أنْ قال لهم: أنتم مأمونون على رعاية منهجي في ذواتكم، لوَّامون لأنفسكم، آمرون بالمعروف، ناهون عن المنكر في غيركم لذلك لن أرسل فيكم رسولاً آخر، فأنتم سوف تقومون بهذه المهمة. لذلك قال الحق سبحانه:كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ.. } [آل عمران: 110]. فقد آمن أمة محمد صلى الله عليه وسلم على أن تكون حارسة لمنهجه، إما بالنفس اللوامة، وإما بالمجتمع الآمر بالمعروف الناهي عن المنكر، وهذا شرف عظيم لهذه الأمة. إذن: يأتي الرسول حينما يعُمُّ الفساد.. فما معنى الفساد؟.. الفساد: أن تُوجد مصالح طائفة على حساب طائفة أخرى، فأهل الفساد والمنتفعون به إذا جاءهم رسول ليُخلِّص الناس من فسادهم، كيف يقابلونه؟ أيقابلونه بالترحاب؟ بالطبع لا.

السابقالتالي
2