الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ مَا يَكْرَهُونَ وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ ٱلْكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ ٱلْحُسْنَىٰ لاَ جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ ٱلْنَّارَ وَأَنَّهُمْ مُّفْرَطُونَ }

قوله تعالى: { وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ مَا يَكْرَهُونَ.. } [النحل: 62]. الأليق أن الذي يُخرج لله يجب أن يكون من أطيب ما أعطاه الله، فإذا أردت أن تتصدقَ تصدَّقْ بأحسن ما عندك، أو على الأقل من أوسط ما عندك.. لكن أنْ تتصدَّق بأخسِّ الأشياء وأرذلها.. أن تتصدق مما تكرهه، كالذي يتصدق بخبز غير جيد أو لحم تغيَّر، أو ملابس مُهَلْهَلة، فهذا يجعل لله ما يكره. والحقيقة أن الناس إذا وثِقوا بجزاء الله على ما يعطيه العبد لأَعطَوْا ربهم أفضل ما يُحبون.. لماذا؟ لأن ذلك دليلٌ على حبّك للآخرة، وأنك من أهلها، فأنت تعمرها بما تحب، أما صاحب الدنيا المحبّ لها فيعطي أقل ما عنده لأن الدنيا في نظره أهمّ من الآخرة. وبهذا يستطيع الإنسان أنْ يقيسَ نفسه: أهو من أهل الآخرة، أم من أهل الدنيا بما يعطي لله عز وجل؟ قوله تعالى: { وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ مَا يَكْرَهُونَ.. } [النحل: 62]. أي: مما ذكر في الآيات السابقة من قولهم:لِلَّهِ ٱلْبَنَاتِ.. } [النحل: 57]. وأن الملائكة بنات الله، وجعلوا بينه وبين الجنَّة نسباً، إلى غير ذلك من أقوالهم، وجعلوا لله البنات وهم يكرهون البنات لذلك:وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِٱلأُنْثَىٰ ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ } [النحل: 58]. والمسألة هنا ليستْ مسألة جَعْل البنات لله، بل مُطْلق الجَعْل منهم مردود عليهم، فلو جعلوا لله ما يحبون من الذكْران ما تُقبّل منهم أيضاً لأنهم جعلوا لله ما لم يجعل لنفسه. فالذين قالوا: عزير ابن الله. والذين قالوا: المسيح ابن الله. لا يُقبَل منهم لأنهم جعلوا لله سبحانه ما لم يجعلْه لنفسه، فهذا مرفوض، وذلك مرفوض لأننا لا نجعل لله إلا ما جعله الله لنفسه سبحانه. فنحن نجعل لله ما نحب مما أباح الله، كما جاء في قوله تعالى:لَن تَنَالُواْ ٱلْبِرَّ حَتَّىٰ تُنْفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ.. } [آل عمران: 92]. وقوله:وَيُطْعِمُونَ ٱلطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ.. } [الإنسان: 8]. ولذلك قال الحق سبحانه لرسوله صلى الله عليه وسلم:قُلْ إِن كَانَ لِلرَّحْمَـٰنِ وَلَدٌ فَأَنَاْ أَوَّلُ ٱلْعَابِدِينَ } [الزخرف: 81]. فلو كان له ولد لآمنتُ بذلك، لكن الحقيقة أنه ليس له ولد.. إذن: ليست المسألة في جَعْل ما يكرهون لله بل في مُطْلَق الجعلْ، ذلك لأننا عبيد نتقرّب إلى الله بالعبادة، والعابد يتقرّب إلى المعبود بما يحب المعبود أن يتقرّب به إليه، فلو جعل الله لنفسه شيئاً فهو على العين والرأس، كما في أمره أن ننفق مما نُحب، ومن أجود ما نملك. ولذلك قوله تعالى:لَن تَنَالُواْ ٱلْبِرَّ حَتَّىٰ تُنْفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ.. } [آل عمران: 92]. رَاعِ حق الفقير وضرورة أنْ تجعله كنفسك، لا يكُنْ هيِّناً عليك فتعطيه أردأ ما عندك.

السابقالتالي
2 3