الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَهُ مَا فِي ٱلْسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَلَهُ ٱلدِّينُ وَاصِباً أَفَغَيْرَ ٱللَّهِ تَتَّقُونَ }

عندنا هنا اللام.. وقد تكون اللام للمِلْك كما في الآية. وكما في: المال لزيد، وقد تكون للتخصيص إذا دخلتْ اللام على ما لا يملك، كما نقول: اللجام للفرس، والمفتاح للباب، فالفرس لا يملك اللجام، والباب لا يملك المفتاح. فهذه للتخصيص. والحق سبحانه يقول هنا: { وَلَهُ مَا فِي ٱلْسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ.. } [النحل: 52]. وفي موضع آخر يقول:لَهُ مَا فِي ٱلسَّمَاوَات وَمَا فِي ٱلأَرْضِ.. } [يونس: 68]. وكذلك في:يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ.. } [الحشر: 24]. ومرة يقول:يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ.. } [الجمعة: 1]. حينما تكون اللام للملكية قد يكون المملوك مختلفاً ففي قوله: { مَا فِي ٱلْسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ.. } [النحل: 52]. يعني: القدر المشترك الموجود فيهما. أي: الأشياء الموجودة في السماء وفي الأرض. أما في قوله:مَا فِي ٱلسَّمَاوَات وَمَا فِي ٱلأَرْضِ.. } [يونس: 68]. أي: الأشياء الموجودة في السماء وليست في الأرض، والأشياء الموجودة في الأرض وليست في السماء، أي: المخصَّص للسماء والمخصَّص للأرض، وهذا ما يُسمُّونه استيعاب الملكية. وما دام سبحانه له ما في السمٰوات وما في الأرض، فليس لأحد غيره مِلْكية مستقلة، وما دام ليس لأحد غيره ملكية مستقلة. إذن: فليس له ذاتية وجود لأن وجوده الأول موهوبٌ له، وما به قيام وجوده موهوب له.. ولذلك يقولون: مَنْ أراد أن يعاند في الألوهية يجب أن تكون له ذاتية وجود.. وليست هذه إلا لله تعالى. ونضرب لذلك مثلاً بالولد الصغير الذي يعاند أباه، وهو ما يزال عَالةً عليه. فيقول له: انتظر إلى أن تكبر وتستقلّ بأمرك.. فإذا ما شَبَّ الولد وبلغ وبدأ في الكَسْب أمكن له الاعتماد على نفسه، والاستغناء عن أبيه. لذلك نقول لمن يعاند في الألوهية: أنت لا تقدر لأن وجودك هِبَة، وقيام وجودك هِبَة، كل شيء يمكن أنْ يُنزع منك. ولذلك، فالحق سبحانه وتعالى يُنبِّهنا إلى هذه المسألة في قوله تعالى:كَلاَّ إِنَّ ٱلإِنسَانَ لَيَطْغَىٰ * أَن رَّآهُ ٱسْتَغْنَىٰ } [العلق: 6-7]. فهذا الذي رأى نفسه استغنى عن غيره - من وجهة نظره - إنما هل استغنى حقاً؟.. لا. لم يستغن، بدليل أنه لا يستطيع أنْ يحتفظَ بما يملك. قوله تعالى: { وَلَهُ مَا فِي ٱلْسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ.. } [النحل: 52]. الذي له ما في السمٰوات والأرض، وبه قيام وجوده بقيوميته، فهو سبحانه يُطمئِنك ويقول لك: أنا قيُّوم - يعني: قائم على أمرك.. ليس قائماً فقط.. بل قيُّوم بالمبالغة في الفِعْل، وما دام هو سبحانه القائم على أمرك إيجاداً من عَدَم، وإمداداً من عُدم. إذن: يجب أن تكون طاعتُك له سبحانه لا لغيره. وفي الأمثال يقولون " اللي ياكل لقمتي يسمع كلمتي " فإذا كنتَ أنت عالة في الوجود.

السابقالتالي
2 3