الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ أَوَلَمْ يَرَوْاْ إِلَىٰ مَا خَلَقَ ٱللَّهُ مِن شَيْءٍ يَتَفَيَّؤُاْ ظِلاَلُهُ عَنِ ٱلْيَمِينِ وَٱلْشَّمَآئِلِ سُجَّداً لِلَّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ }

قوله تعالى: { أَوَلَمْ يَرَوْاْ.. } [النحل: 48]. المعنى: أَعَمُوا ولم يَرَوْا ولم يتدبروا فيها خلق الله؟ { مِن شَيْءٍ.. } [النحل: 48]. كلمة شيء يسمونها جنس الأجناس، و { مِن } تفيد ابتداء ما يُقال له شيء، أي: أتفه شيء موجود، وهذا يسمونه أدنى الأجناس.. وتفيد أيضاً العموم فيكون: { مِن شَيْءٍ.. } [النحل: 48]. أي: كل شيء. فانظر إلى أيّ شيء في الوجود مهما كان هذا الشيء تافهاً ستجد له ظِلاً: { يَتَفَيَّؤُاْ ظِلاَلُهُ.. } [النحل: 48]. يتفيأ: من فاءَ أي: رجع، والمراد عودة الظل مرة أخرى إلى الشمس، أو عودة الشمس إلى الظل. فلو نظرنا إلى الظل نجده على نوعين: ظل ثابت مستمر، وظل مُتغيّر، فالظل الثابت دائماً في الأماكن التي لا تصل إليها أشعة الشمس، كقاع البحار وباطن الأرض، فهذا ظِلٌّ ثابت لا تأتيه أشعة الشمس في أي وقت من الأوقات. والظلّ المتحرك الذي يُسمّى الفَيْء لأنه يعود من الظل إلى الشمس، أو من الشمس إلى الظل، إذن: لا يُسمَّى الظل فَيْئاً إلا إذا كان يرجع إلى ما كان عليه. ولكن.. كيف يتكوّن الظل؟ يتكوّن الظل إذا مَا استعرض الشمسَ جسم كثيف يحجب شعاع الشمس، فيكون ظِلاً له في الناحية المقابلة للشمس، هذا الظل له طُولان وله استواء واحد. طول عند الشروق إلى أنْ يبلغَ المغرب، ثم يأخذ في التناقص مع ارتفاع الشمس، فإذا ما استوتْ الشمس في السماء يصبح ظِلّ الشيء في نفسه، وهذه حالة الاستواء، ثم تميل الشمس إلى الغروب، وينعكس طول الظلّ الأول من ناحية المغرب إلى ناحية المشرق. ويلفتنا الحق تبارك وتعالى إلى هذه الآية الكونية في قوله تعالى:أَلَمْ تَرَ إِلَىٰ رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ ٱلظِّلَّ وَلَوْ شَآءَ لَجَعَلَهُ سَاكِناً ثُمَّ جَعَلْنَا ٱلشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلاً * ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضاً يَسِيراً } [الفرقان: 45-46]. ذلك لأنك لو نظرتَ إلى الظلِّ وكيف يمتدُّ، وكيف ينقبض وينحسر لوجدتَ شيئاً عجيباً حقاً.. ذلك لأنك تلاحظ الظل في الحالتين يسير سَيْراً انسيابياً. ما معنى: انسيابي؟ هو نوع من أنواع الحركة، فالحركة إما حركة انسيابية، أو حركة عن توالي سكونات بين الحركات. وهذه الأخيرة نلاحظها في حركة عقارب الساعة، وهي أوضح في عقرب الثواني منها في عقرب الدقائق، ولا تكاد تشعر بها في عقرب الساعات.. فلو لاحظت عقرب الثواني لوجدتَه يسير عن طريق قفزات منتظمة، تكون حركة فسكوناً فحركة، وهكذا.. ومعنى ذلك أنه يجمع الحركة في حال سكونه، ثم ينطلق بها، وبذلك تمرُّ عليه لحظة لم يكن مُتحركاً فيها، وهذا ما نسميه بالحركة القفزية.. هذه الحركة لا تستطيع رَصْدها في عقرب الساعات لأن القفزة فيه دقيقة لدرجة أن العين المجردة تعجز عن رَصْدها وملاحظتها، هذه هي الحركة القفزية.

السابقالتالي
2 3