الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ ٱلْمَلاۤئِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمُ ٱدْخُلُواْ ٱلْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ }

أي: المتقون هم الذين تتوفاهم الملائكة طيبين. ومعنى: { تَتَوَفَّاهُمُ.. } [النحل: 32]. أي: تأتي لقبْض أرواحهم، وهنا نَسَب التوفّي إلى جملة الملائكة، كأنهم جنود ملَك الموت الأصيل عزرائيل، وقد سبق أنْ قُلْنا: إن الحق تبارك وتعالى مرةً ينسب التوفّي إلى الملائكة، ومرة ينسبه إلى مَلك الموت:قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ ٱلْمَوْتِ ٱلَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ.. } [السجدة: 11]. ومرّة ينسبه إلى نفسه سبحانه:ٱللَّهُ يَتَوَفَّى.. } [الزمر: 42]. ذلك لأن الله سبحانه هو الآمر الأعلى، وعزرائيل مَلكُ الموت الأصيل، والملائكة هم جنوده الذين يُنفّذون أوامره. وقوله: { طَيِّبِينَ.. } [النحل: 32]. تقابل الآية السابقة:ٱلَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ ٱلْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ.. } [النحل: 28]. والطيّب هو الشيء الذي يوجد له خيرٌ دائم لا ينقطع ولا ينقلب خَيْره هذا شراً، وهو الشيء الذي تستريح له النفس راحة تنسجم منها كل مَلكاتها، بشرط أن يكون مستمراً إلى خَيْرٍ منه، ولا يستمر إلى خَيْرٍ منه وأحسن إلا طَيِّب القيم وطَيِّب الدين، أما غير ذلك فهو طيب موقوتٌ سرعان ما يُهجر. ولذلك حينما يدَّعي اثنان المحبة في الله نقول: هذه كلمة تُقال، ومِصْداقها أن ينمو الودُّ بينكما كل يوم عن اليوم الذي قبله لأن الحب للدنيا تشوبه الأطماع والأهواء، فترى الحب ينقص يوماً بعد يوم، حَسْب ما يأخذ أحدهما من الآخر، أما المتحابان في الله فيأخذان من عطاء لا ينفد، هو عطاء الحق تبارك وتعالى، فإنْ رأيت اثنين يزداد وُدّهما فاعلم أنه وُدٌّ لله وفي الله، على خلاف الوُد لأغراض الدنيا فهو وُدٌّ سرعان ما ينقطع. هل هناك أطيب من أنهم طهَّروا أنفسهم من دَنَس الشرك؟ وهل هناك أطيبُ من أنهم أخلصوا عملهم لله، وهل هناك أطيب من أنهم لم يُسْرفوا على أنفسهم في شيء؟ وحَسْب هؤلاء من الطيب أنهم ساعة يأتي مَلَكُ الموت يمرُّ عليهم شريط أعمالهم، ومُلخّص ما قدّموه في الدنيا، فيرْون خَيْراً، فتراهم مُستبشرين فرحين، يبدو ذلك على وجوههم ساعة الاحتضار، فتراه أبيضَ الوجه مُشْرقاً مبتسماً، عليه خاتمة الخير والطيب والسعادة ذلك لما عاينه من طيب عمله، ولما يستبشر به من الجزاء عند الله تبارك وتعالى. وعلى عكس هذه الحالة تماماً نرى أهل الشقاوة، وما هُمْ عليه ساعةَ الغرغرة من سواد الوجه، وسُوء الخاتمة، والعياذ بالله. { يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمُ.. } [النحل: 32]. أي: حينما تتوفّاهم الملائكة يقولون لهم سلام لأنكم خرجتم من الدنيا بسلام، وستُقبِلون على الآخرة بسلام، إذن: سلام الطيبين سلامٌ موصول من الدنيا إلى الآخرة، سلامٌ مُترتّب على سلامة دينكم في الدنيا، وسلامة إقبالكم على الله، دون خوف في الآخرة. وهنا سلام آخر جاء في قول الحق تبارك وتعالى:وَسِيقَ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَوْاْ رَبَّهُمْ إِلَى ٱلّجَنَّةِ زُمَراً حَتَّىٰ إِذَا جَآءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلاَمٌ عَلَيْكُـمْ طِبْتُمْ فَٱدْخُلُوهَا خَالِدِينَ }

السابقالتالي
2 3