الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ وَسَخَّرَ لَكُمُ ٱلَّيلَ وَٱلْنَّهَارَ وَٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ وَٱلْنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ }

ونعلم أن الليل والنهار آيتان واضحتان والليل يناسبه القمر، والنهار تناسبه الشمس، وهم جميعاً متعلقون بفعل واحد، وهم نَسَق واحد، والتسخير يعني قَهْر مخلوق لمخلوق لِيُؤدِّي كُلٌّ مهمته. وتسخير الليل والنهار والشمس والقمر كُلٌّ له مهمة، فالليل مُهِمته الراحة. قال الحق سبحانه:وَمِن رَّحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ ٱلَّيلَ وَٱلنَّهَارَ لِتَسْكُنُواْ فِيهِ وَلِتَبتَغُواْ مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } [القصص: 73]. والنهار له مهمة أنْ تكدحَ في الأرض لتبتغي رِزْقاً من الله وفَضْلاً، والشمس جعلها مصدراً للطاقة والدِّفْء، وهي تعطيك دون أنْ تسألَ، ولا تستطيع هي أيضاً أن تمتنعَ عن عطاء قَدَّره الله. وهي ليست مِلْكاً لأحد غير الله بل هي من نظام الكون الذي لم يجعل الحق سبحانه لأحد قدرةً عليه، حتى لا يتحكَّم أحدٌ في أحدٍ، وكذلك القمر جعل له الحق مهمة أخرى. وإياك أنْ تتوهَم أن هناك مهمة تعارض مهمة أخرى، بل هي مهام متكاملة. والحق سبحانه هو القائل:وَٱلْلَّيْلِ إِذَا يَغْشَىٰ * وَٱلنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّىٰ * وَمَا خَلَقَ ٱلذَّكَرَ وَٱلأُنثَىٰ * إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّىٰ } [الليل: 1-4]. أي: أن الليل والنهار وإنْ تقابلا فليسَا متعارضين كما أن الذكر والأنثى يتقابلان لا لتتعارض مهمة كل منهما بل لتتكامل. ويضرب الحق سبحانه المثل لِيُوضّح لنا هذا التكامل فيقول:قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ ٱللَّهُ عَلَيْكُمُ ٱلنَّهَارَ سَرْمَداً إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ مَنْ إِلَـٰهٌ غَيْرُ ٱللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفلاَ تُبْصِرُونَ } [القصص: 72]. وأيُّ إنسان إنْ سهر يومين متتابعين لا يستطيع أنْ يقاومَ النوم وإن أدَّى مهمة في هذين اليومين فقد يحتاج لراحة من بعد ذلك تمتدُّ أسبوعاً ولذلك قال الله:وَجَعَلْنَا ٱلَّيلَ لِبَاساً * وَجَعَلْنَا ٱلنَّهَارَ مَعَاشاً } [النبأ: 10-11]. والإنسان إذا ما صلَّى العشاء وذهب إلى فراشه سيستيقظ حَتْماً من قبل الفجر وهو في قِمّة النشاط بعد أنْ قضى ليلاً مريحاً في سُبَاتٍ عميق لا قلقَ فيه. ولكن الإنسان في بلادنا استورد من الغرب حثالة الحضارة من أجهزة تجعله يقضي الليل ساهراً، ليتابع التليفزيون أو أفلام الفيديو أو القنوات الفضائية، فيقوم في الصباح مُنْهكاً، رغم أن أهل تلك البلاد التي قدَّمتْ تلك المخترعات نجدهم وهم يستخدمون تلك المخترعات يضعونها في موضعها الصحيح، وفي وقتها المناسب لذلك نجدهم ينامون مُبكِّرين، ليستيقظوا في الفجر بهمَّة ونشاط. ويبدأ الحق سبحانه جملة جديدة تقول: { وَٱلْنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ.. } [النحل: 12]. نلحظ أنه لم يَأْتِ بالنجوم معطوفةً على ما قبلها، بل خَصَّها الحق سبحانه بجملة جديدة على الرغم من أنها أقلُّ الأجرام، وقد لا نتبيّنها لكثرتها وتعدُّد مواقعها ولكِنَّا نجد الحق يُقسِم بها فهو القائل:فَلاَ أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ ٱلنُّجُومِ * وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ } [الواقعة: 75-76]. فكلُّ نجم من تلك النجوم البعيدة له مُهمة، وإذا كنتَ أنت في حياتك اليومية حين ينطفىء النور تذهب لترى: ماذا حدث في صندوق الأكباس الذي في منزلك ولكنك لا تعرف كيف تأتيك الكهرباء إلى منزلك، وكيف تقدَّم العلم ليصنعَ لك المصباح الكهربائي.

السابقالتالي
2