الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ جَآءَهُمْ رَسُولٌ مِّنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ ٱلْعَذَابُ وَهُمْ ظَالِمُونَ }

رأينا كيف كانت النعمة تامة على أهل مكة، وقد تمثلت هذه النعمة في كَوْنها آمنة مطمئنة، وهذه نعمة مادية يحفظ الله بها القالب الإنساني، لكنه ما يزال في حاجة إلى ما يحفظ قِيَمه وأخلاقه. وهذه هي نعمة النعم، وقد امتنَّ الله عليهم بها حينما أرسل فيهم رسولاً منهم، فما فائدة النعم المادية في بلد مهزوزة القيم، مُنْحلة الأخلاق، فجاءهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ليُقوِّم ما اعوجّ من سلوكهم، ويُصلح ما فسد من قِيَمهِم ومبادئهم. وقوله: { مِّنْهُمْ.. } [النحل: 113]. أي: من جنسهم، وليس غريباً عنهم، وليس من مُطْلق العرب، بل من قريش أفضل العرب وأوسطها. يقول تعالى: { فَكَذَّبُوهُ.. } [النحل: 113]. وكان المفترض فيهم أن يستقبلوه بما علموا عنه من صفات الخير والكمال، وبما اشتهر به بينهم من الصدق والأمانة، ولكنهم كما كفروا بالنعم المادية كفروا أيضاً بالنعم القيمية متمثلة في رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقوله: { فَأَخَذَهُمُ ٱلْعَذَابُ.. } [النحل: 113]. مَنِ الذي أخذهم؟ لم تقُلْ الآية: أخذهم الله بالعذاب، بل: أخذهم العذاب، كأن العذابَ نفسه يشتاق لهم، وينقضُّ عليهم، ويسارع لأخذهم، ففي الآية تشخيص يُوحي بشدة عذابهم. كما قال تعالى في آية أخرى:يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ ٱمْتَلأَتِ وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ } [ق: 30]. ثم يقول تعالى: { فَكُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ ٱللَّهُ... }.