الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ أَتَىٰ أَمْرُ ٱللَّهِ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ }

هكذا تبدأ السورة الجليلة مُوضِّحةً أن قضاءَ الله وحُكْمه بنصر الرسول والمؤمنين لا شَكَّ فيه ولا محَالة وأن هزيمة أهل الكفر قادمة، ولا مَفرَّ منها إنْ هُم استمرُّوا على الكفر. وقد سبق أنْ أنذرهم الرسول صلى الله عليه وسلم بما نَزل عليه من آيات الكتاب أنذرهم في السورة السابقة ببعض العذاب الدنيوي، كنصر الإيمان على الكفر، وأنذرهم مِنْ قَبْل أيضاً ببعض العذاب في الآخرة، كقوْل الحق سبحانه:فَـإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ ٱلَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ } [غافر: 77]. وكذلك قوله الحق:سَيُهْزَمُ ٱلْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ ٱلدُّبُرَ } [القمر: 45]. وهكذا وعد الحق سبحانه رسوله صلى الله عليه وسلم أنْ يهزِم معسكر الكفر، وأنْ ينصرَ معسكر الإيمان وإما أنْ يرى ذلك بعينيه أو إنْ قبض الحق أجلَه فسيراها في الآخرة. وعن حال الرسول صلى الله عليه وسلم قال سبحانه:إِنَّا كَفَيْنَاكَ ٱلْمُسْتَهْزِئِينَ } [الحجر: 95]. وأنذر الحق سبحانه أهل الشرك بأنهم في جهنم في اليوم الآخر، وهنا يقول سبحانه: { أَتَىٰ أَمْرُ ٱللَّهِ.. } [النحل: 1]. وهذا إيضاحٌ بمرحلة من مراحل الإخبار بما يُنذِرون به، كما قال مرة:ٱقْتَرَبَتِ ٱلسَّاعَةُ وَٱنشَقَّ ٱلْقَمَرُ } [القمر: 1]. أي: اقتربتْ ساعة القيامة التي يكون من بعدها حسابُ الآخرة والعذاب لِمَنْ كفر، والجنة لِمَنْ آمنَ وعمِل صالحاً، فاقترابُ الساعة غَيْر مُخيف في ذاته، بل مُخيف لِمَا فيه من الحساب والعقاب. وقيل: إن أهلَ الكُفْر لحظة أنْ سَمِعوا قول الحق سبحانه:ٱقْتَرَبَتِ ٱلسَّاعَةُ.. } [القمر: 1]. قالوا: " فلننتظر قليلاً فقد يكون ما يُبلِّغ به محمد صحيحاً " وبعد أن انتظروا بعضاً من الوقت، ولم تَأْتِ الساعة كما بَشَّر الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم قالوا: انتظرنا ولم تَأْتِ الساعة، فنزل قول الحق سبحانه:ٱقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ.. } [الأنبياء: 1]. وهذا حديث عن الأمر الذي سيحدث فوْرَ قيام الساعة، فَهَادنُوا وانتظروا قليلاً، ثم قالوا: أيْنَ الحساب إذن؟ فنزل قوله تعالى: { أَتَىٰ أَمْرُ ٱللَّهِ.. } [النحل: 1]. وساعة سَمِع الكُلُّ ذلك فَزِعوا بمن فيهم من المسلمين وجاء الإسعاف في قوله من بعد ذلك: { فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ.. } [النحل: 1]. أي: أن الأمر الذي يُعلنه محمد صلى الله عليه وسلم لا يعلم ميعادَه إلا الله سبحانه واطمأنَّ المسلمون. وكُلُّ حدث من الأحداث - كما نعلم - يحتاج كُلٌّ منها لظرفيْن ظرْفِ زمانٍ وظرْفِ مكان. والأفعال التي تدلُّ على هذه الظروف إما فِعْل مَاض فظرْفُه كان قبل أن نتكلَم، وفعلٌ مضارع. أي: أنه حَلَّ، إلا إنْ كان مقروناً بـ " س " أو بـ " سوف ". أي: أن الفعل سيقع في مستقبل قريب إنْ كان مقروناً بـ " س " أو في المستقبل غير المحدد والبعيد إن كان مسبوقاً بـ " سوف " ، وهكذا تكون الأفعال ماضياً، وحاضراً، ومستقبلاً.

السابقالتالي
2