الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّىٰ يَأْتِيَكَ ٱلْيَقِينُ }

ونعرف أن العبادة هي إطاعة العابد لأوامر المعبود إيجاباً أو سَلْباً، وتطبيق " افعل " و " لا تفعل " ، وكثيرٌ من الناس يظنون أن العبادة هي الأمور الظاهرية في الأركان الخمسة من شهادة أن لا إله إلا الله، وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحِجّ البيت لِمَن استطاع إليه سبيلاً. ونقول: لا، فهذه هي الأُسس التي تقوم عليها العبادة. أي: أنها البِنْية التي تقوم عليها بقية العبادة، وهكذا تصبح العبادة هي، كُل ما لا يقوم الواجب إلا به فهو واجب، أي: أن حركة الحياة كلها - حتى كَنْس الشوارع، وإماطة الأذى عن الطريق - هي عبادة، كل ما يُقصد به نَفْع الناس عبادة، كي لا يصبح المسلمون عالة على غيرهم. وفي إقامة الأركان إظهارٌ لقوة المسلمين، حين يُظهِرون كامل الولاء لله بإقامة الصلاة خمس مرات في اليوم الواحد، فيترك المسلم عمله فَوْر أنْ يسمع النداء بـ " الله أكبر " فيخرج المسلم من صراعات الحياة، ويعلن الولاء للخالق المنعم. وحين يصوم المسلم شهراً في السنة فهو يُعلِن الولاء للخالق الأكرم، ويصوم عن أشياء كثيرة كانت مُبَاحة وأوَّل ما يأتي موعد الإمساك من قَبْل صلاة الفجر بقليل فهو يمتنع فوراً. وهذا الامتثال لأوامر الحق سبحانه يُذكّرك بنعمه عليك فأنت في يومك العادي لا تقرب المُحرَّمات التي أخذتْ وقتاً أثناء بدايات الدين إلى أن امتنع عنها المسلمون، فلا أحدَ من المسلمين يُفكِّر في شُرْب الخمر ولا أحدَ منهم يُفكِّر في لعب المَيْسِر، وانطبعتْ تلك الأمور وصارتْ عادة سلوكية في إلْف ورتَابة عند غالبية المسلمين مِمَّنْ يُنفِّذون شريعة الله، ويُطبّقون " افعل " و " لا تفعل ". وعندما يأتي الصوم فأنت تمتنع عن أشياء هي حلال لك طوال العالم، وتقضي أي نهار في رمضان ونفسُك تستشرف سماع أذان المغرب لِتُفطر. وهكذا تمتثل للأمر بالامتناع والإمساك والأمر بالإفطار، وذلك لِيعُوّدك على الكثير من الطاعات التي تصير عند المؤمنين عادةً وسبحانه يريد أنْ يُديم عليك لذَّة التكليف العبادي. وبعْضٌ من الناس يذهبون مذاهب الخطأ عندما يفسرون بأهوائهم قوله الحق: { وَٱعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّىٰ يَأْتِيَكَ ٱلْيَقِينُ } [الحجر: 99]. ويقول الواحد من هؤلاء مخادعاً الغير " لقد وصلت إلى مرتبة اليقين " ، ويمتنع عن أداء الفروض من صلاة وصوم وزكاة وحِجِّ إلى بيت الله الحرام رغم استطاعته، ويدَّعِي أن التكليف قد سقط عنه لأن اليقين قد وصله. ونقول لمن يدَّعي ذلك: أَتُخادع الله ورسوله؟ وكُلُّنا يعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ظَلَّ يُؤدِّي الفرائض حتى آخر يوم في حياته. وكُلُّنا يعلم أن اليقين المُتفق عليه والمُتيقن من كل البشر، ولا خلافَ عليه أبداً هو الموت.

السابقالتالي
2