الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ }

وهنا يُقسِم الحق سبحانه بصفة الربوبية التي تعهدتْ رسوله بالتربية والرعاية ليكون أهلاً للرسالة أنه لن يُسلِمه لأحد، وهو سبحانه مَنْ قال:وَلِتُصْنَعَ عَلَىٰ عَيْنِيۤ } [طه: 39]. أي: أن كل رسول هو مصنوع ومَحْميّ بإرادته سبحانه وتلك عناية الحماية للمنهجية الخاصة، وعناية المصطفين الذين يحملونَ رسالته إلى الخَلْق فقد رزق سبحانه خَلْقه جميعاً والرسل إنما يأتون لمهمة تبليغ المنهج الذي يُدير حركة الحياة لذلك لا بُدَّ أن يُوفّر لهم الحق سبحانه عناية من نوع خاص. وقَوْل الحق سبحانه هنا: { فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ } [الحجر: 92]. يُبيِّن لنا أنه سيسألهم سبحانه عن أدقِّ التفاصيل ومجرد توجيه السؤال إليهم فيه لَوْن من العذاب. ويحاول البعض مِمَّنْ يريدون أنْ يعثروا على تعارض في القرآن أن يقولوا: كيف يقولَ الله مرة:فَيَوْمَئِذٍ لاَّ يُسْأَلُ عَن ذَنبِهِ إِنسٌ وَلاَ جَآنٌّ } [الرحمن: 39]. ويقول في أكثر من موقع بالقرآن أنه سيسأل هؤلاء المُكذِّبين فكيف يُثبِت السؤالَ مرة، وينفيه مرة أخرى؟ ونقول لهؤلاء: أنتم تستقبلون القرآن بسطحية شديدة، فهذا الذي تقولون إنه تعارض إنما هو مجرد ظاهر من الأمر، وليس تعارضاً في حقيقة الأمر. ونحن نعلم أن السؤال - أيّ سؤال - له مُهِمتان، المُهِمة الأولى: أن تعلم ما تجهل. والمهمة الثانية: لتقرَّ بما تعلم. والحق سبحانه حين ينفي سؤالاً فهو ينفي أن أحداً سيُخبره بما لا يعلم سبحانه وحين يثبت السؤال فهذا يعني أنه سيسألهم سؤالَ الإقرار. وهكذا نعلم أن القرآن إذا أثبت حدثاً مرة ونفَاهُ مرة أخرى، فاعلم أن الجهة مُنفكّة، أي: أن جهة النفي غَيْر جهة الإثبات، وكُلٌّ منهما لها معنًى مختلف. وقوله هنا: { فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ } [الحجر: 92]. يعني أن الضَّال والمُضِلْ، والتابع والمتبوع سَيُسألون عَمَّا عملوا. ثم يقول الحق سبحانه: { عَمَّا كَانُواْ... }.