الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ لاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَىٰ مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّنْهُمْ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَٱخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ }

والمَدُّ: هو مَطُّ الشيء وزيادته. وللعيْن مسافات تُرَى فيها المرائي كُل عَيْن حَسْب قدرتها، فهناك مَنْ يتمتع ببصر قوي وحادّ، وهناك مَنْ ليس كذلك. ويتراوح الناس في قدرة إبصارهم حسب توصيف وضعه الأطباء ليعالجوا ذلك على قَدْر استطاعتهم العلمية. وفي المثَل اليومي نسمع مَنْ يقول " فلان عنده بُعْد نظر " أي: يملك قدرة على أن يقيسَ رُدود الأفعال، ويتوقّع ما سوف يحدث، وما يترتَّب على نتائج أيِّ فعل. والمراد بمَدِّ العين ليس إخراج حبة العين ومدِّها ولكن المراد إدامة النظر والإمعان، ولكن الحق سبحانه عبَّر في القرآن هذا التعبير، وكأن الإنسان سيخرج حبَّة عينه ليجري بها، وليُمعِن النظر، وهذا ما يفهم من منطوق الآية، والمنطوق يشير إلى المفهوم المراد، وهذا عين الإعجاز. وكلمة " متاع " تفيد أن شيئاً يُتمتَّع به وينتهي، ولذلك يُوصَف متاع الدنيا في القرآن بأنه متَاعُ الغرور، أي: أنه متاع موقوت بلحظة. وقول الحق سبحانه: { أَزْوَاجاً مِّنْهُمْ.. } [الحجر: 88]. هي جَمْع زَوْج، وسبق أنْ أوضحنا أن كلمة " زوج " هي مفرد، والذكَر والأنثى حين يتلاقيان يصبح اسمهما زوجين، والحق سبحانه هو القائل:سُبْحَانَ ٱلَّذِي خَلَق ٱلأَزْوَاجَ كُلَّهَا } [يس: 36]. والأزواج كلُّها تعني الفرد، ومعه الفرد من كل صنف من الأصناف. المراد بكلمة أزواج هنا أن المخالفين لرسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا شِلَلاً شِللاً ضال ومضل وضال آخر معه مُضِل. ولحظة الحساب سيقول كل منهم:قَالَ قَآئِلٌ مِّنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ } [الصافات: 51]. وهكذا كانت كلمة " أزواج " تدل على أصناف متعددة من الذين يقفون معاندين لرسول الله صلى الله عليه وسلم ومُنكِرين لمنهجه. وفي موقع آخر من القرآن يكشف سبحانه عَمَّنْ أغوتْهم الشياطين، ويحشرهم الحق سبحانه مع الشياطين في نار جهنم:وَيَوْمَ يِحْشُرُهُمْ جَمِيعاً يَامَعْشَرَ ٱلْجِنِّ قَدِ ٱسْتَكْثَرْتُمْ مِّنَ ٱلإِنْسِ.. } [الأنعام: 128]. أي: يا معشرَ الجنِّ قد استطعتُم أنْ تُوحوا لكثير من الإنس بالغواية والمعصية، ليكونوا أولياءكم، وهكذا نجد أن كل جماعة تتفق على شيء نُسمِّيهم أزواجاً. وهنا يُوضِّح الحق سبحانه: إياكَ أنْ تَمُدَّ عينيك إلى ما متَّعنا به أزواجاً منهم، لأننا أعطيناك أعلى عطاءٍ، وهو معجزة القرآن حارس القيم، والذي يضمُّ النَّهْج القويم. ويتابع سبحانه: { وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ.. } [الحجر: 88]. ويُقال: حزنت منه، وحَزِنت عليه، وحَزِنت له فمَنْ ناله ما يُحزن، ولم يَصْدُر عنك هذا السبب في حزنه فأنت تقول له " حَزِنت لك ". وآخر ارتكب فِعْلاً يُسِيء إلى نفسه فأنت تحزن عليه. ورسول الله صلى الله عليه وسلم حَزِن عليهم فقد كان يُحِبّ أنْ يؤمنوا، وأنْ يتمتعوا بالنعمة التي يتمتع هو بها.

السابقالتالي
2 3