الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ ٱلْخَلاَّقُ ٱلْعَلِيمُ }

وقد جاء سبحانه هنا بالاسم الذي خلق به من عَدَم، وأمدَّ من عُدْم. وقيُّومية الربوبية هي التي تمدُّ كل الكون برزقه وترعاه فسبحانه هو الذي استدعى الإنسان إلى الكون، وهو الذي يرعاه. وكلمة: { رَبَّكَ } [الحجر: 86]. تُوحي بأنه إنْ أصابك شيءٌ بسبب دعوتك، وبسبب كنود قومك أمامك وعدائهم لك، فربُّكَ يا محمد لن يتركهم. والربُّ - كما نعلم - هو مَنْ يتولَّى تربية الشي إلى ما يعطيه مناط الكمال، ولا يقتصر ذلك على الدنيا فقط، ولكنه ينطبق على الدنيا والآخرة. وقوله: { ٱلْخَلاَّقُ } [الحجر: 86]. مبالغة في الخَلْق، وهي امتداد صفة الخَلْق في كل ما يمكن أنْ يخلق، لأنه سبحانه هو الذي أعدَّ كل مادة يكون منها أيّ خَلْق، وأعدّ العقل الذي يُفكِّر في أيِّ خلق، وأعدَّ الطاقة التي تفعل، وأعدَّ التفاعل بين الطاقة والمادة والعقل المُخطّط لذلك. وما يفعله الإنسان المخلوق هو التوليف بين ما خلقه الله من مواد، وإنْ وُجِد خلاق من البشر فهو وحده سبحانه الذي يهب إنساناً ما أفكاراً لينفذها، ثم يأتي مَنْ هو أذكى منه لِيُطوِّرها. ولذلك قال الحق سبحانه:وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ } [يوسف: 76]. وهكذا رأينا كل المخترعات البشرية تتطوّر والمثَل على ذلك هو آلة الحياكة التي صارت تعمل الآن آلياً بعد أن كانت المرأة تجلس عليها لِتكِدَّ في ضَبْطها، وكذلك غسَّالة الملابس، وغسالة الأطباق والسيارات والطائرات. ونلحظ أن كل ما خلقه الله يمكن أن يُستفاد من عادمه مثل رَوَث البهائم الذي يُستخدم كسماد، أما عادم السيارات مثلاً فهو يُلوِّث الجو. وشاشة التلفزيون تُصدِر من الإشعاعات مَا يضر العين، وتَمَّ بحْثُ ذلك لتلافي الآثار الجانبية في مثل تلك الأدوات التي يسهل الإنسان بها حياته. أما ما يخلقه الله فلا توجد له آثار جانبية فسبحانه ليس صاحب عِلْم مُكْتسب أو ممنوح بل العلم صفة ذاتية فيه. ويقول سبحانه من بعد ذلك: { وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً... }.