الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ وَآتَيْنَاهُمْ آيَاتِنَا فَكَانُواْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ }

وهنا يُوجِز الحق - سبحانه وتعالى - ما أرسل به نبيهم صالح من آيات تدعوهم إلى التوحيد بالله، وصِدْق بلاغ صالح عليه السلام الذي تمثَّل في الناقة، التي حذَّرهم صالحَ أنْ يقربوها بسوء كَيْلا يأخذهم العذاب الأليم. لكنهم كذَّبوا وأعرضوا عنه، ولم يلتفتوا إلى الآيات التي خلقها الحق سبحانه في الكون من ليل ونهار، وشمس وقمر، واختلاف الألْسُنِ والألوان بين البشر. ونعلم أن الآيات تأتي دائماً بمعنى المُعْجزات الدَّالة على صِدْق الرسول، أو: آيات الكون، أو: آيات المنهج المُبلّغ عن الله، تكون آية الرسول من هؤلاء من نوع ما نبَغ فيه القوم المُرْسَل إليهم لكنهم لا يستطيعون أن يأتوا بمثلها. وعادةً ما تثير هذه الآية خاصيَّة التحدِّي الموجودة في الإنسان، ولكن أحداً من قوم الرسل - أيّ رسول - لا يُفلِح في أن يأتي بمثل آية الرسول المرسل إليهم. ويقول الحق سبحانه عن قوم صالح: { وَآتَيْنَاهُمْ آيَاتِنَا فَكَانُواْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ } [الحجر: 81]. أي: تكبَّروا وأعرضوا عن المنهج الذي جاءهم به صَالح، والإعراض هو أنْ تُعطِي الشيء عَرْضك بأن تبتعدَ عنه ولا تُقبِل عليه، ولو أنك أقبلتَ عليه لَوجدتَ فيه الخير لك. وأنت حين تُقبِل على آيات الله ستجد أنها تدعوك للتفكُّر، فتؤمن أن لها خالقاً فتلتزم بتعاليم المنهج الذي جاء به الرسول. وأنت حين تُفكِّر في الحكمة من الطاعة ستجد أنها تُريحك من قلق الاعتماد على أحد غير خالقك، لكن لو أخذتَ المسائل بسطحية فلن تنتهي إلى الإيمان. ولذلك نجده سبحانه يقول في موقع آخر من القرآن الكريم:وَكَأَيِّن مِّن آيَةٍ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ } [يوسف: 105]. وفي هذا تكليفٌ للمؤمن - كُل مؤمن - أن يُمعِنَ النظر في آيات الكون لعلَّه يستنبط منها ما يفيد غيره. وأنت لو نظرتَ إلى كل المُخْترعات التي في الكون لوجدتَّها نتيجةً للإقبال عليها من قِبَل عالم أراد أنْ يكتشفَ فيها ما يُريح غيره به. والمثل في اكتشاف قُوَّة البخار التي بدأ بها عَصْر من الطاقة واختراع المُعدات التي تعمل بتلك الطاقة، وحرّك بها القطار والسفينة مثلما سبقها إنسان آخر واخترع العجلة لِيُسهّل على البشر حَمْل الأثقال. وإذا كان هذا في أمر الكَوْنيّات فأنت أيضاً إذا تأملتَ آيات الأحكام في " افعل " و " لا تفعل " ستجدها تفيدُك في حياتك، ومستقبلك، والمثَل على ذلك هو الزكاة فأنت تدفع جزءً يسيراً من عائد عملك لغيرك مِمَّنْ لا يَقْوَى على العمل، وستجد أن غيرك يعطيك إنْ حدث لك احتياج ذلك أنك من الأغيار. ويتابع الحق سبحانه قوله عن قوم صالح: { وَكَانُواْ يَنْحِتُونَ... }.