الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ }

وهكذا كان العذاب الذي أنزله الحق سبحانه بقوم لوط آية واضحة للمُتوسِّمين. والمُتوسّم هو الذي يُدرك حقائق المَسْتور بمكْشُوف المظهور. ويُقال " توسَّمْتُ في فلان كذا " أي: أخذ من الظاهر حقيقة الباطن. ولذلك يقول الحق سبحانه:سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِّنْ أَثَرِ ٱلسُّجُودِ.. } [الفتح: 29]. أي: ساعةَ تراهم ترى أن الملامح تُوَضِّح ما في الأعماق من إيمان. ويقول سبحانه أيضاً:تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لاَ يَسْأَلُونَ ٱلنَّاسَ إِلْحَافاً.. } [البقرة: 273]. وهكذا نعرف أن المُتوسِّم هو صاحب الفَراسة التي تكشف مكنون الأعماق. وها هو صلى الله عليه وسلم يقول: " اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله ". وتحمل الذاكرة العربية حكاية الأعرابي الذي فقد جمله، فذهب إلى قَيِّم الناحية - أي: عمدة المكان - وقال له: " ضاع جملي، وأخشى أن يكون قد سرقه أحد ". وبينما هو يُحدِّث القيِّم جاء واحد، وقال له: أجملك أعور؟ أجاب صاحب الجمل: نعم، وقال له: أجملك أبتَر؟ أي: لا ذَيْل له، أجاب صاحب الجمل: نعم. فسأل الرجل سؤالا ثالثاً: أجملك أشول؟ أي: يعرج قليلاً عندما يسير فأجاب الرجل: نعم، والله هو جَمَلِي. وأراد قيِّم الحي أن يعلم كيف عرف الرجل الذي حضر كل هذه العلامات التي في الجمل، فسأله: وما أدراك بكل تلك العلامات؟ قال الرجل: لقد رأيتُه في الطريق، وعرفتُ أنه أعورُ، ذلك أنه كان يأكل العُشبْ الجاف من جهة، ولا يلتفت إلى العُشْب الأخضر في الجهة الأخرى، ولو كان يرى بعينيه الاثنتين لرأى العُشْب الأخضر. وعرفت أنه أبتر مقطوع الذَّيْل نتيجة أن بَعْره لم يتبعثر مثل غيره من الجمال التي لها ذَيْل غير مقطوع. وعرفت أنه أشول لأن أثر ساقه اليمنى أكثر عُمْقاً في الأرض من أثر ساقه اليسرى. وهكذا شرحت الذاكرة العربية معنى كلمة " المتوسم ". ثم يُبيِّن الحق سبحانه مكان مدينة قوم لوط، فيقول من بعد ذلك: { وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ... }.