والخطاب هنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم. و " عَمْرُك " معناها السنُّ المُحدَّد للإنسان لاستقامة الحياة، ومرة تنطق " عُمْرك " ومرة تنطق " عَمْرك " ، ولكنهم في القَسَم يختارون كلمة " عَمْرك " ، وهذا يماثل قولنا في الحياة اليومية " وحياتك ". ومن هذا القول الكريم الذي يُحدِّث به الحق سبحانه رسوله استدلَّ أهل الإشراق والمعرفة أن الحق سبحانه قد كرَّم سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه حين ناداه لم يُنَادِه باسمه العلنيّ " يا محمد " أو " يا أحمد " كما نادى كل رُسُله، ولكنه لم يُنَادِ الرسول صلى الله عليه وسلم إلا بقوله:{ يَـٰأَيُّهَا ٱلرَّسُولُ.. } [المائدة: 67]. أو:{ يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ.. } [الممتحنة: 12]. وفي هذا تكريمٌ عظيم، وهنا في هذه الآية نجد تكريماً آخر، فسبحانه يُقسِم بحياة رسوله صلى الله عليه وسلم. ونعلم أن الحق سبحانه يُقسِم بما شاء على ما شاء، أقسم بالشمس وبمواقع النجوم وبالنجم إذا هَوَى. فهو الخالق العليم بكل ما خلق ولا يعرف عظمة المخلوق إلا خالقه، وهو العالم بمُهمة كل كائن خلقه، لكنه أمرنا ألاَّ نُقسِم إلاَّ به لأننا نجهل حقائق الأشياء مُكْتملةً. وقد أقسم سبحانه بكل شيء في الوجود، إلا أنه لم يُقسِم أبداً بأيِّ إنسان إلا بمحمد صلى الله عليه وسلم فقال هنا: { لَعَمْرُكَ } [الحجر: 72]. بحياتك يا محمد إنهم في سَكْرة يعمهون. والسَّكْرة هي التخديرة العقلية التي تحدث لمن يختلّ إدراكهم بفعل عقيدة فاسدة، أو عادة شاذة، أو بتناول مادة تثير الاضطراب في الوعي. و { يَعْمَهُونَ.. } [الحجر: 72]. أي: يضطربون باختيارهم. ويأتي العقاب فيقول الحق سبحانه: { فَأَخَذَتْهُمُ ٱلصَّيْحَةُ... }.