الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَىٰ أَن مَّسَّنِيَ ٱلْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ }

ونعلم أن الحق - سبحانه وتعالى - يخلق الخَلْق على أنحاء مُتعدّدة حتى يعلمَ المخلوق أن خَلْقه لا ضرورة أن يكونَ بطريقة محددة بل طلاقة القدرة أن يأتي المخلوق كما يشاء الله. والشائع أن يُولَد الولد من أَبٍ وأم ذكرٍ وأنثى. أو بدون الأمرين معاً مثل آدم عليه السلام، ثُمَّ خلق حواء من ذكر فقط، وكما خلق عيسى من أم فقط، وخلق محمداً صلى الله عليه وسلم من ذكرٍ وأنثى. وفي الآية التي نحن بصددها نجد إبراهيم عليه السلام يتعجب كيف يُبشِّرونه بغلام، وهو على هذه الدرجة من الكِبَر، في قوله تعالى: { عَلَىٰ أَن مَّسَّنِيَ ٱلْكِبَرُ.. } [الحجر: 54]. يعني أن " على " هنا جاءت بمعنى " مع " أي: أنه يعيش مع الكِبَر ويرى أنه من الصعب أنْ يجتمعَ الكِبَر مع القدرة على الإِنجاب. وأقول دائما: إن كلمة على لها عطاءاتٌ واسعة في القرآن الكريم، فهي تترك مرة ويأتي الحق سبحانه بغيرها لتؤدي معنًى مُعيناً مثل قوله تعالى:وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ ٱلنَّخْلِ } [طه: 71]. والصَّلْب إنما يكون على جذوع النخل ولكن الحق سبحانه جاء بـ في بدلاً من على ليدلَّ على أن الصَّلْبَ سيكون عنيفاً، بحيث تتدخل الأيدي والأرجُل المَصْلوبة في جذوع النخل. وهنا يقول الحق سبحانه: { أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَىٰ أَن مَّسَّنِيَ ٱلْكِبَرُ.. } [الحجر: 54]. أي: أَتُبشِّرونني بالغلام العليم مع أنِّي كبير في العمر والمفهوم أن الكِبَر والتقدُّم في العمر لا يتأتَّى معه القدرة على الإنجاب. وهكذا تأتي " على " بمعنى " مع ". أي: كيف تُبشِّرونني بالغلام مع أنِّي كبير في العمر، وقد قال قولته هذه مُؤمِناً بقدرة الله فإبراهيم أيضاً هو الذي أورد الحق سبحانه قَوْلاً له:ٱلْحَمْدُ للَّهِ ٱلَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى ٱلْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ ٱلدُّعَآءِ } [إبراهيم: 39]. وكأن الكِبَر لا يتناسب مع الإنجاب، ويأتي رَدُّ الملائكة على إبراهيم خليل الرحمن: { قَالُواْ بَشَّرْنَاكَ... }.