الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَآ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ إِلاَّ وَلَهَا كِتَابٌ مَّعْلُومٌ }

أي: أنه سبحانه لا يأمر بهلاك أيّ قرية إلا في الأجل المكتوب لها. ويجعلها من المُثل التي يراها مَنْ يأتي بعدها لعله يتعظ ويتعرَّف على حقيقة الإيمان. وقد قال الحق سبحانه:وَضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ ٱللَّهِ فَأَذَاقَهَا ٱللَّهُ لِبَاسَ ٱلْجُوعِ وَٱلْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ } [النحل: 112]. والمثل القريب من الذاكرة " لبنان " التي عاشت إلى ما قبل الخمسينات كبلد لا تجد فيه فندقاً لائقاً، ثم ازدهرتْ وانتعشتْ في الستينات والسبعينات واستشرى فيها الفساد فقال أهل المعرفة بالله: " لا بُدَّ أن يصيبها ما يصيب القرى الكافرة بأنعُمِ الله ". وقد حدث ذلك وقامت فيها الحرب الأهلية، وانطبق عليها قول الحق سبحانه:وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ.. } [الأنعام: 65]. وهذا ما يحدث في الدنيا، وهي مُقدّمات تُؤكّد صِدْق ما سوف يحدث في الآخرة. وسبحان القائل:وَإِن مِّن قَرْيَةٍ إِلاَّ نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَاباً شَدِيداً كَانَ ذٰلِك فِي ٱلْكِتَابِ مَسْطُوراً } [الإسراء: 58]. وبطبيعة الحال فهذا ما يحدث لأيِّ قرية ظالم أهلُها لأن الحق سبحانه لا يظلم مِثْقال ذرّة. وأذكر أن تفسير النسفي قد صُودِر في عصر سابق لأن صاحب التفسير قال عند تفسيره لهذه الآية: " حدثني فلان عن فلان أن البلد الفلاني سيحصل فيه كذا والبلد الآخر سوف يحدث فيه كذا إلى أن جاء إلى مصر وقال بالنص: ويدخل مصر رجل من جهينة، فويْل لأهلها، ووَيْل لأهل سوريا، ووَيْل لأهل الرَّمْلة، ووَيْل لأهل فلسطين، ولا يدخل بيت المقدس ". ومادام الحق سبحانه قد قال:كَانَ ذٰلِك فِي ٱلْكِتَابِ مَسْطُورا } [الإسراء: 58]. فهو يُعلّم بعضاً من خلقه بعضاً من أسراره، فلا مانعَ من أن نرى بعضاً من تلك الأسرار على ألسنتهم. وحين ذاعت تلك الحكاية، وقالوها للرئيس الذي كان موجوداً، وقالوا له: أنت من جهينة وهم يقصدونك. صُودِر تفسير النسفي. إذن: فقد ترك الحق سبحانه لنا في الدنيا مثلاً يؤكد صِدْقه فيما يحكيه عن الوعيد لبعض القرى حتى نُصدّق ما يمكن أن يكون بعد يوم القيامة. وحين يقول الحق سبحانه: { وَمَآ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ إِلاَّ وَلَهَا كِتَابٌ مَّعْلُومٌ } [الحجر: 4]. فليس لأحد أن يقول: " إن ذلك لم يحدث للبلد الفلاني " لأن كُلَّ أَمْر له أجَل. ويقول الحق سبحانه من بعد ذلك: { مَّا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا... }.