الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ وَأَرْسَلْنَا ٱلرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنزَلْنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَآ أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ }

والإرسال هو الدَّفْع للشيء من حَيّز إلى حَيِّز آخر، وحين يقول سبحانه إنه أرسل الرياح نجد أنها مُرْسلَة من كُلّ مكان إلى كُلّ مكان فهي مُرْسَلة من هنا إلى هناك، ومن هناك إلى هنا. وهكذا يكون كل مكان هو موقع لإرسال الرياح وكل مكان هو موقع لاستقبالها ولذلك نجد الرياح وهي تسير في دَوْرة مستمرة ولو سكنتْ لمَا تحرَّك الهواء، ولأُصِيبتْ البشرية بالكثير من الأرض ذلك أن الرياح تُجدّد الهواء، وتُنظِّف الأمكنة من الرُّكود الذي يُمكِن أن تصيرَ إليه. ونعلم أن القرآن حين يتكلم عن الرياح بصيغة الجمع فهو حديث عن خير، والمثل هو قول الحق سبحانه:وَهُوَ ٱلَّذِي يُرْسِلُ ٱلرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ.. } [الأعراف: 57]. أما إذا أُفرد وجاء بكلمة " ريح " فهي للعذاب، مثل قوله:وَأَمَا عَادٌ فَأُهْلِكُواْ بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ } [الحاقة: 6]. وهنا يقول الحق سبحانه: { وَأَرْسَلْنَا ٱلرِّيَاحَ لَوَاقِحَ } [الحجر: 22]. ولواقح جمع لاقحة، وتُطلَق في اللغة مرَّة على الناقة التي في بطنها جنين ومرة تُطلَق على اللاقح الذي يلقح الغير ليصير فيه جنين لأن الحق سبحانه شاء أن يتكاثر كل ما في الكون وجعل من كُلٍّ زوجين اثنين إما يتكاثر أو تتولد منه الطاقة كالسالب والموجب في الكهرباء. وهو القائل سبحانه:سُبْحَانَ ٱلَّذِي خَلَق ٱلأَزْوَاجَ كُلَّهَا.. } [يس: 36]. ثم عَدَّد لنا فقال:مِمَّا تُنبِتُ ٱلأَرْضُ وَمِنْ أَنفُسِهِمْ وَمِمَّا لاَ يَعْلَمُونَ } [يس: 22]. وهناك أشياء لا يُدركها الإنسان مثل شجرة الجُمَّيز التي لا يعلم الشخص الذي لم يدرس علم النبات كيف تتكاثر لتنبت وتُثمِر، ويعلم العالِم أن هناك شجرةَ جُميز تلعب دور الأنثى، وشجرةً أخرى تلعب دور الذَّكَر. وكذلك شجرة التوت وهناك شجرة لا تُعرَف فيه الأنثى من الذَّكر لأنه مكمور توجد به الأُنثى والذَّكَر، وقد لا تعرف أنت ذلك لأن الحق سبحانه جعل اللُّقاحةَ خفيفةً للغاية لتحملَها الريحُ من مكان إلى مكان. ونحن لم نَرَ كيف يتم لقاح شجرة الزيتون أو شجرة المانجو، أو شجرة الجوافة، وذلك لنأخذ من ذلك عبرةً على دِقّة صَنْعته سبحانه. والمثَل الذي أضربه دائماً هو المياه التي تسقط على جبلٍ ما وبعد أيام قليلة تجد الجبل وقد امتلأ بالحشائش الخضراء ومعنى هذا أن الجبل كانت توجد به بذور تلك الحشائش التي انتظرتْ الماء لِتُنبت. وتعرّف العلماء على أن الذكورة بعد أن تنضج في النبات فهي تنكشف وتنتظر الرياح والجو المناسب والبيئة المناسبة لتنقلها من مكان إلى مكان. ولهذا نجد بعضاً من الجبال وهي خضراء بعد هبوب الرياح وسقوط المطر ذلك أن حبوب اللقاح انتقلت بالرياح، وجاء المطر لتجد النباتات فرصةً للنمو. وقد تجد جبلاً من الجبال نصفه أخضر ونصفه جَدْب لأن الرياحَ نقلتْ للنصف الأخضر حبوبَ اللقاح، ولم تنقل الحبوب للنصف الثاني من الجبل ولذلك نجد الحق سبحانه قد جعل للرياح دورةً تنتقل بها من مكان لمكان، وتدور فيها بكل الأماكن.

السابقالتالي
2