الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ قُل لِّعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ يُقِيمُواْ ٱلصَّلاَةَ وَيُنْفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلانِيَةً مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خِلاَلٌ }

و { قُلْ } من الله لرسول الله صلى الله عليه وسلم. وهل معنى هذا أن العباد الذين سيسمعون هذا الأمر سيقومون إلى الصلاة لقد سمعه بعضهم ولم يَقُم إلى الصلاة. إذن: مَنْ يُطِع الأمر هو مَنْ حقَّق شَرْط الإيمان، وعلينا أن ننظر إلى مُكْتنفات كلمة " عبادي " فعباد الله هم الذين آمنوا، وحين يؤمنون فهم سيُعبِّرون عن هذا الإيمان بالطاعة. وهكذا نفهم معنى الألفاظ لتستقيم معانيها في أساليبها. وكل خَلْق الله عبيد له ذلك أن هناك أموراً قد أرادها الله في طريقة خَلْقهم، لا قدرةَ لهم على مخالفتها فهو سبحانه قد قهرهم في أشياء وخيَّرهم في أشياء. ولذلك أقول دائماً للمُتمرِّدين على الإيمان بالله لقد أَلِفْتم التمرّد على الله ولم يَأْبَ طَبْع واحد منكم على رفض التمرّد، فإنْ كنتم صادقين مع أنفسكم عليكم أنْ تتمردوا على التنفس فهو أمر لا إرادي، أو تمردوا - إن استطعتُم - على المرض وميعاد الموت، ولن تستطيعوا ذلك أبداً. ولكنهم ألِفُوا التمرّد على ما يمكنهم الاختيار فيه. ونسُوا أن الله يريد منهم أن يلتزموا بمنهجه فإن اختار المؤمن أن يتبع منهجَ الله صار من " عباد الله " ، وإنْ لم يخضع للمنهج فيما له فيه اختيار فهو من العبيد المقهورين على اتباع أوامر الله القهرية فقط. وأنت حين تستقرئ كلمة " عباد " وكلمة " عبيد " في القرآن ستجد قول الحق سبحانه:وَعِبَادُ ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَىٰ ٱلأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجَاهِلُونَ قَالُواْ سَلاَماً } [الفرقان: 63]. وتتعدد هنا صفات العباد الذين اختاروا اتباع منهج الله، وستجد كلمة العبيد وهي مُلْتصقة بمَنْ يتمردون على منهج الله ولن تجد وَصْفاً لهم بأنهم " عباد " إلا في آية واحدة حين يخاطب الحَقُّ جَلَّ وعلا الذين أضلوا الناس فيقول لهم:أَأَنتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلاَءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا ٱلسَّبِيلَ } [الفرقان: 17]. ونلحظ أن زمن هذا الخطاب هو في اليوم الآخر حيث لا يوجد لأحد مُرْتاد مع الله وحيث يسلب الحق سبحانه كل حق الاختيار من كل الكائنات المختارة. وهكذا لا يمكن لأحد أن يطعنَ في أن كلمة " عباد " إنما تستخدم في وَصْف الذين اختاروا عبادة الله والالتزام بمنهجه في الحياة الدنيا ذلك أنهم قد سَلَّموا زِمَام اختيارهم لله، وأطاعوه في أوامره ونواهيه. ونلحظ أن قول الحق سبحانه: { قُل لِّعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ يُقِيمُواْ ٱلصَّلاَةَ وَيُنْفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلانِيَةً.. } [إبراهيم: 31]. هو أمر صادر من الحق سبحانه لرسوله صلى الله عليه وسلم، وأن المؤمنين في انتظار هذا الأمر لِيُنفّذوه فوراً، ذلك أن المؤمن يحب أن يُنفِّذ كل أمر يأتيه من الله.

السابقالتالي
2 3