الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ وَجَعَلُواْ لِلَّهِ أَندَاداً لِّيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعُواْ فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى ٱلنَّارِ }

والنّد هو: المِثْل والمُشَابه. وهم قد اتخذوا لله شركاء وأيّ شريك اتخذوه لم يَقُلْ لهم عن النعم التي أسبغها عليهم ولم يُنزِل لهم منهجاً. وهؤلاء الشركاء كانوا أصناماً، أو أشجاراً، أو الشمس، أو القمر، أو النجوم، ولم يَقُلْ كائن من هؤلاء: ماذا أعطى من نعم ليعبدوه؟ ونعلم أن العبادة تقتضي أمراً وتقتضي نهياً، ولم يُنزِل أيٌّ من هؤلاء الشركاء منهجاً كي يتبعه مَنْ يعبدونهم ولا ثوابَ على العبادة ولا عقَاب على عدم العبادة. ولذلك نجد أن مِثْل هؤلاء إنما اتجهوا إلى عبادة هؤلاء الشركاء لأنهم لم يأتوا بمنهج يلتزمون به. ولذلك نجد الدجالين الذين يدَّعُون أنهم رأوا النبي صلى الله عليه وسلم ويتصرفون مع مَنْ يُصدِّقونهم من الأتباع، وكأنهم كائنات أرقى من النبي صلى الله عليه وسلم - والعياذ بالله منهم -. ومن العجيب أننا نجد بعضاً من المثقفين وهم يتبعون هؤلاء الدجالين. وقد يبتعد عنه بسطاء الناس ذلك أن النفس الفطرية تحب أن تعيش على فطرة الإيمان أما مَنْ يأتي ليُخفِّف من أحكام الدين فيهواه بعض مِمَّنْ يتلمسون الفِكَاك من المنهج. وبذلك يجعل هؤلاء الأتباع مَنْ يخفف عنهم المنهج نِداً لله - والعياذ بالله - ويضلون بذلك عن الإيمان. والحق سبحانه يقول هنا: { وَجَعَلُواْ للَّهِ أَندَاداً لِّيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِهِ.. } [إبراهيم: 30]. أي: لِيُضِلوا غيرهم عن سبيل الله. وهناك قراءة أخرى لنفس الآية " لِيَضلوا عن سبيل الله " ، وأنت ساعةََ تسمع حدثاً يوجد ليجيء حدث كنتيجة له، فأنت تأتي بـ " لام التعليل " كقولك " ذاكر الطالب لينجح " هنا أنت لم تَأْتِ بفعل ونقيضه. وهل كانوا يضلون أنفسهم؟ لا، بل كانوا يتصوَّرون أنهم على هُدىً واستقامة، وهذه تُسمَّى " لام العاقبة " وهي تعني أنه قد يحدث بعد الفعل فِعْل آخر كان وارداً. وهذه تُسمَّى " لام تعليلية ". ولكن قد يأتي فِعْل بعد الفعل ولم يكن صاحبُ الفعل يريده كما فعل فرعون حين التَقط موسى عليه السلام من الماء ليكون ابناً له ولكن شاء الحق سبحانه أن يجعله عدواً. وساعة التقاط فرعون لموسى لم يكن فرعون يريد أن يكبر موسى ليصبح عدواً له ولكنها مشيئة الله التي أرادتْ ذلك لتخطئة مَنْ ظنَّ نفسه قادراً على التحكُّم في الأحداث، بداية من ادعاء الألوهية، ومروراً بذبح الأطفال الذكور، ثم يأتي التقاطه لموسى ليكون قُرَّة عينٍ له فينشأ موسى ويكبر ليكون عدواً له!! ويتابع الحق سبحانه: { قُلْ تَمَتَّعُواْ فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى ٱلنَّارِ } [إبراهيم: 30]. وهذا أمر من الله لمحمد أن يقول لهم: تمتعوا. وهذا أمر من الله. والعبادة أمر من الله ، فهل إن تمتعوا يكونون قد أطاعوا الله؟ وهنا نقول: إن هذا أمر تهكميّ، ذلك أن الحق سبحانه قال من بعد ذلك: { فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى ٱلنَّارِ } [إبراهيم: 30].

السابقالتالي
2