الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ يُثَبِّتُ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ بِٱلْقَوْلِ ٱلثَّابِتِ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَفِي ٱلآخِرَةِ وَيُضِلُّ ٱللَّهُ ٱلظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ ٱللَّهُ مَا يَشَآءُ }

وتأتي هنا كلمة " التثبيت " طبيعية بعد قوله:ٱجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ ٱلأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ } [إبراهيم: 26]. لأن الذي يُجتثُّ لا ثبوتَ له ولا استقرارَ فجاء بالمقابل بقوله: { يُثَبِّتُ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ.. } [إبراهيم: 27]. وتُوحي كلمة التثبيت أيضاً بأن الإنسان ابنٌ للأغيار، وتطرأ عليه الأحداث التي هي نتيجة لاختيار المُكلَّفين في نفاذ حُكْم أو إبطاله، فالمُكلَّف حين يأمره الله بحكم قد يُنفِّذه، وقد لا ينفذه. وكذلك قد يتعرض المكلّف لمخالف لمنهج الله، فلا يُنفِّذ هذا المخالفُ تعاليمَ المنهج ويؤذي مَنْ يتبع التعاليم، وهنا يثق المؤمن أن له إلهاً لن يخذله في مواجهة تلك الظروف، وسينصره إنْ قريبٌ أو بعيد على ذلك. وهكذا لا تنال الأحداث من المؤمن، ويصدق قوله الحق: { يُثَبِّتُ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ.. } [إبراهيم: 27]. فهم قد آمنوا بوجوده وبقدرته، وبأن له طلاقة مشيئة يُثبِّتهم بها مهما كانت جسامة الأحداث ذلك أن المؤمن يعلم عن يقين أن الحق سبحانه قد قال وصدق:أَلاَ بِذِكْرِ ٱللَّهِ تَطْمَئِنُّ ٱلْقُلُوبُ } [الرعد: 28]. وما دام المؤمن قد ثبت قلبه بالإيمان وبالقول الثابت فهو لا يتعرّض لزيغ القلب ولا يتزعزع عن الحق. والتثبيت يختلف في أعراف الناس باختلاف المُثبّت فحين يُخلْخَل عمود في جدار البيت فصاحب البيت يأتي بالمهندس الذي يقوم بعمل دعائمَ لتثبيت هذا العمود ويتبادل الناسُ الإعجابَ بقدرات هذا المهندس، ويتحاكى الناس بقدرات هذا المهندس على التثبيت للأعمدة التي كادتْ أنْ تنهار، وهذا ما يحدث في عُرْف البشر فما بَالُنا بما يمكن أنْ يفعله خالق البشر؟ وقوله الحق: { يُثَبِّتُ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ.. } [إبراهيم: 27]. يرُّدك إلى المُثبِّت الذي لَنْ يطرأ على تثبيته أدنى خَلَلٍ. وكلمة " التثبيت " دَلَّتْنَا على أن الإنسان ابنُ أغيارٍ وقد تحدثُ له أشياء غَيْر مطابقة لما يريده في الحياة لذلك فالمؤمن يجب ألاّ يَخُور لأن له رباً لا تدركه الأبصار، وهو يدرك الأبصار. وسبحانه يُثبِّت الذين آمنوا: { بِٱلْقَوْلِ ٱلثَّابِتِ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا.. } [إبراهيم: 27]. والقول ثابت لأنه من الحَقِّ الذي لا يتغيَّر وهذا القَوْلِ مُوجَّه للمؤمنين الذين يواجههم قَوْم أشرار اختاروا أنْ يكونوا على غير منهج الله. وهذا القول يوضح للمؤمنين ضرورة أن يهدأوا وأنْ يجعلوا أنفسهم في معيّة الله دائماً، وأنْ يعلموا أنّ الظالمَ لو عَلِم ما أعدَّه الله للمظلوم من ثواب وحُسْن جزاء لَضَنَّ الظالم بظُلْمه على المظلوم ولَقَال: ولماذا أجعل الله في جانبه؟ والذين اضْطهِدوافي دينهم وقام الكفار بتعذيبهم لم يُفْتَنوا في الدين فكلما قَسَا عليهم الكفار ضَرْباً وتعذيباً كلما تذكروا حنانَ الحقِّ فتحمّلوا ما يذيقهم الكافرون من عذاب. وحُسْن الجزاء قد يكون في الدنيا التي يُثبَّت فيها المؤمن بمشيئة الله وهي بنت الأغيار وبنت الأسباب فأنت في الدنيا تحوز على أيِّ شيء بأن تتعبَ من أجل أنْ تحصلَ عليه، وتكِدّ لتتعلم وتعثر على وظيفة أو مهنة ثم تتزوج لِتُكوِّن أُسْرة وتخدُم غيرك ويخدُمك غيرك، وتزاول كل أسبابك بغيرك فأنت تأكل مما تطبخ زوجتك، أو أمك أو مَنْ تستخدمه ليؤدي لك هذا العمل.

السابقالتالي
2