الرئيسية - التفاسير


* تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1419 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَثلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ ٱجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ ٱلأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ }

وحين نقارن الكلمة الخبيثة بالكلمة الطيبة سنكتشف الفارق الشاسع فالكلمة الخبيثة مُجْتثَّة من فوق الأرض والجُثَّة كما نعلم هي الجسد الذي خرجتْ منه الروح، ومن بعد أن يصبح جُثة يصير رِمَّة ثم يتحلَّل إلى عناصره الأولى. إذن: فالاجتثاث هو استئصالُ الشيء من أصله وقَلْعه من جذوره، أما المقابل في الشجرة الطيبة فأصلها ثابت لا تُخلخله ظروف أو أحداث، والكلمة الخبيثة بلا جذور لأنها مُجْتثّة وليس لها قَرار تستقر فيه. وحين تكلَّم المُفسِّرون عن الشجرة الطيبة منهم مَنْ قال إنها النخلة لأن كُلَّ ما فيها خير فورقها لا يسقط، ويبقى دائماً كَظِلٍّ وكل ما فيها يُنتفعَ به. فنحن - على سبيل المثال - نأخذ جذع النخلة ونصنع منه أعمدة في بيوت الرِّيف، وجريد النخل نصنع منه الكراسي والليف الموجود بين الأفرع نأخذه لنصنع منه الحبال والخوص نصنع منه القُفف. والذين حاولوا أن يُفسِّروا " الشجرة الخبيثة " بأنها شجرة الحَنْظل، أو شجرة التين، أو شجرة الكُرَّات لكل هؤلاء أقول: لقد خلقها الحق سبحانه لتكون شجرة طيبة في ظروف احتياجنا لها لأنك حين تنظر إلى الكون ستجد أن مِزَاجه مُتنوِّع ومُقوِّمات الحياة ليستْ هي الأكل والشرب فقط بل هناك توازن بيئيّ قد صمّمه الحق تعالى، وهو الأعلم مِنّا جميعاً بما خلق ولم يخلق إلا طَيّباً. وكل شيء في الكون له عطاء مستمر يُشِع في الجو، والمَثَل هو تساقط أوراق الشجر التي تُعيد الخِصْب مرة أخرى إلى الأرض. وكلها أمور يُبديها الحق سبحانه ولا يبتديها، أي: يُظهرها بعد أنْ كانت موجودة أَزلاً ومَخفية عَنَّا. وهو جَلَّ وعلاَ يرفع قوماً ويَخفِض قوماً وهو القائل عن ذاته:كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ } [الرحمن: 29]. وكلُّنا نعلم أن اليوم عند منطقة ما يبدأ في توقيت مُعيّن، وينتهي في توقيت مُعين وتختلف المناطق الجغرافية وتختلف معها بدايات أيِّ يوم من منطقة إلى أخرى فبعد لحظة من بداية يومك يبدأ يوم آخر في منطقة أخرى وهكذا تتعدد الأيام وبدايات النهار والليل عند مختلف البشر والمجتمعات. ولذلك فحين نسمع قول الرسول صلى الله عليه وسلم: " إن الله عز وجل يبسط يده بالليل ليتوب مُسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها ". فمعنى ذلك أن يَد الله مبسوطة دائماً، ذلك أن الليلَ يبدأ في كل لحظة عند قَوْم، ويبدأ النهار عند قوم في نفس اللحظة ويتتابع ميلاد الليل والنهار حَسْب دوران الشمس حول الأرض. وهكذا لا يجب أن نظلم شجرة الثوم، أو شجرة الحَنْظل، أو أي شجرة من مخلوقات الله ونَصِفَها بأنها شجرة خبيثة، فلا شيءَ خبيثٌ من مخلوقات الله.

السابقالتالي
2